آيات من القرآن الكريم

۞ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ

قال الزجاج: " عربياً ". منصوب على الحال، " وقرآناً " توكيد.
وقوله: ﴿غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾. قال مجاهد: معناه، " غير ذي لبس "
وقال الضحاك غير مختلف.
وقال ابن عباس: غير مخلوق.
ثم قال: ﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ أي: يتّقون ما حذّرهم الله تعالى من بأسه وعذابه.
قوله (تعالى ذكره): ﴿ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ﴾ - إلى قوله - ﴿بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
هذا مثل للمؤمن والكافر، فالكافر يعبد أرباباً كثيرة مختلفين من الشياطين والأصنام. فهو بينهم مقسم وجميعهم مشتركون فيه.
والمؤمن يعبد الله وحده لا شرك لأحد فيه، قد تسلم له عبادته فهو سالم من الإشراك.

صفحة رقم 6332

قال الفراء: متشاكسون: مختلفون: هذا معنى قول قتادة وهو قول ابن عباس، وقال مجاهد والضحاك هو مثل للحق والباطل، والشركاء: الأوثان.
قال الزجاج: ضرب هذا المثل لمن وحد الله تعالى ( ولم يجعل معه شريكاً).
فالذي وحّد الله / مثله مثل السالم لرجل لا يشركه فيه غيره.
ومثل الذي عبد غير الله مثل صاحب الشركاء المتشاكسين، أي: المختلفون العسرون.
وحكى المبرد: متشاكسون: متعاسرون، من شكس يشكُسُ وهو شَكِسٌ، مثل عَسُرَ يَعْسُرُ فهو عَسِرٌ. يقال: رجل شَكِسُ أي: عسير لا يرضى بالإنصاف.
وقوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً﴾، أي: هل يستوي من يخدم جماعة هم فيه شركاء قد اختلفت مراداتهم فيلقى من (التعب والنصب ما لا قوام) له به من غير أن يبلغ

صفحة رقم 6333

ضى الجميع، أو الذي يخدم واحداً لا ينازعه فيه منازع، إذا أطاع عرف موضع طاعته فأكرمه، وإذا أخطأ صفح له عن خطئه.
فالمعنى: أي هذين أحسن حالاً وأروح جسماً.
قال ابن عباس: هل يستويان مثلاً، أي: هل يستوي من اختلف فيه ومن لم يختلف فيه.
ثم قال ﴿الحمد للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾، أي: الشكر لله كله والحمد كله له دون من سِواه، بل أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون الفرق بين من فيه أرباب مشتركون ومن ليس له إلا رب واحد. فلجهلهم يعبدون آلهة شتى.
ومعنى: ضرب الله مثلا " (مَثَّلَ الله مثلاً).
وقال " مثلاً " ولم يقل " مثلين " لأنهما كليهما ضرباً مثلاً واحداً فجرى المثل فيهما بالتوحيد لذلك كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ [المؤمنون: ٥٠].
ولم يقل آيتين إذ كان معناهما واحداً في الآية.

صفحة رقم 6334

ثم قال: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ﴾، أي: إنك يا محمد ستموت عن قليل، وإن هؤلاء المكذبين من قومك والمؤمنين منهم سيموتون.
﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾، (قال ابن عباس يخاصم الصادق الكاذب، والمظلوم الظالم، والمهتدي الضال).
وقال ابن زيد وابن جبير: يختصم أهل الإسلام وأهل الكفر.
وقال ابن عباس: بلغ من الخصومة يوم القيامة حتى إن الروح ليخاصم الجسد. فيقول الروح: رب، هذا الذي عمل العمل فخلد عليه العذاب.
فيقول الجسد: رب، وما كنت أنا، به كنت أبسط، وبه كنت أقبض، وبه كنت أعمل، وبه كنت أقوم وأقعد، فخلد عليه العذاب.
فيقال لهما: أرأيتما لو أنّ اعمى وصحيحاً دخلا حائطاً مثمراً، فقال البصير: لا أَنَالُهُ. فقال الأعمى: أنا أحملك على عنقي (حتى تناله فتأخذ): فحمله حتى أخذ من التمر، فأكلا جميعاً، على من يكون العذاب؟ فيقول: عليهما جميعاً!.

صفحة رقم 6335

وعن النبي ﷺ أنه قال: " أَوَّلُ مَا يُقْضَى فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ ".
وقيل: هو اختصام أهل الإسلام فيما بينهم.
وروي عن ابن عمر أنه قال: نزلت هذه الآية (وما ندري ما تفسيرها حتى وقعت الفتنة، فقلنا: هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه. وقال النخعي: لما نزلت هذه الآية) قالوا ما خصومتنا بيننا ونحن إخوان؟
قال: فلما قتل عثمان رضي الله عنهـ قالوا: هذه خصومتنا بيننا.

صفحة رقم 6336

قال: أبو العالية: هم أهل القبلة يختصمون يوم القيامة في مظالم بينهم.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال في الآية: " يَخْتَصِمُونَ في الدِّمَاءِ في الدِّمَاءِ " قاله مرتين).
" وروي عن الزبير أنه قال: يا رسول الله، أنختصم يوم القيامة بعدما كان بيننا؟ قال: " نعم، حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه ". قال الزبير: إن الأمر إذن لشديد ".
وفي الحديث المسند: " أول ما تقع فيه الخصومات الدماء ".
وقوله: " مثلاً " تمام عند أبي حاتم وغيره.

صفحة رقم 6337

وليس ذلك بمختار لأن الممثل به لم يذكر بعد فهو متصل بما قبله.
وقيل: إن " مثلاً " تقديره أن يكون مؤخراً بعد " سلما لرجل "، أي: ضرب الله هذا مثلاً وفي الكلام حذف، والتقدير: ضرب الله مثلاً لمن أشرك به غيره.
وقوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً﴾: المثل في هذا بمعنى الصفة كما قال: ﴿مَّثَلُ الجنة﴾ [الرعد: ٣٥]، أي: صفة الجنة.
ثم قال تعالى ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله﴾، أي: لا أحد أظلم ممن كذب على الله فجعل له ولداً وصاحبة.
و" من " استفهام، معناه: الجحد، أي: لا أحد أظلم منه.
﴿وَكَذَّبَ بالصدق﴾، أي: بالقرآن وبمحمد ﷺ إذ جاء رسولاً.
ثم قال تعالى: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ﴾، أي: أليس فها مأوى ومسكن لمن كفر بالله تعالى ورسله صلوات الله عليهم، ومتبه بل فيها مأوى ومسكن لهم.
ثم قال تعالى: ﴿والذي جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ﴾ " الذي " هنا واحد يدل على الجمع.
وقيل: كان أصله: " الذين "، فحذفت النون لطول الاسم.
وقيل: " الذي " للواحد وهو النبي ﷺ، جاء بـ " لا إله إلا الله " وصدق

صفحة رقم 6338

بذلك: هذا قول ابن عباس.
وقال مجاهد: جاء محمد بالقرآن وصدّق به، وقال الشعبي.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ: الذي جاء بالصدق رسول الله ﷺ وصدّق به أبو بكر رضي الله عنهـ.
وقال قتادة: الذي جاء بالصدق رسول الله ﷺ جاء بالقرآن والإسلام وصدّق به يعني المؤمنين، وكذلك قال ابن زيد وقال السدي: الذي) جاء بالصدق: جبريل ﷺ، جاء بالقرآن من عند الله وصدّق به، يعني: محمداً ﷺ.
وقال مجاهد: ﴿والذي جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ﴾ هم: المؤمنون يجيئون بالقرآن يوم القيامة، يقولون: هذا الذي أعطيتمونا قد اتبعنا ما فيه ".
وعن مجاهد أيضاً: (والذي جاء بالصدق) يعني ﷺ " وصدق به "

صفحة رقم 6339

يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ، وقيل: هو أبو بكر رضي الله وأصحابه.
فمن جعله لجماعة استدل بقوله: ﴿أولئك هُمُ المتقون﴾.
ومن جعله لواحد حسن عنده (أولئك) بعد الواحد، لأن الجليل القدر يخير عنه بلفظ الجماعة.
وقرأ أبو صالح: (وصدق به) بالتخفيف، (يعني به النبي ﷺ.
والباء بمعنى: في. والمعنى: جاء بالقرآن وصدق فيه.
واختار الطبري أن يحمل على العموم، فيكون معنى: والذي جاء بالصدق كل من دعا إلى توحيد الله تعالى والعمل بطاعته، ويكون الصدق: القرآن والتوحيد

صفحة رقم 6340

والشرائع، والمصدق: المؤمنون والأنبياء وغيرهم من جميع من صدق به.
ودل على هذا العموم ما قبله من العموم في قوله: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله وَكَذَّبَ بالصدق﴾ فهذا عام في جميع المكذبين بالقرآن والتوحيد والشرائع، وفي جميع الكاذبين على الله سبحانه فكذلك يجب أن يكون التصديق عقيبه عاما في جميع المصدقين والصادقين فيترتب الشيء وضده على نظام واحد لأن الذين كانوا عند بعث النبي ﷺ قوم مكذبون لما أتاهم به كاذبون على الله سبحانه، ثم أعقبهم ممن آمن قوم مصدقون بما أتى به النبي ﷺ صادقون في قولهم.
وفي قراءة ابن مسعود: " والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به بالجمع.
ثم قال تعالى ﴿لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ يعني، يوم القيامة لهم ما تشتهيه أنفسهم.
ثم قال: ﴿ذَلِكَ جَزَآءُ المحسنين﴾، ذلك: إشارة إلى قوله: لهم ما يشاءون.
والكاف في " ذلك " للنبي ﷺ، أي: هذا الذي لهم عند ربهم جزاء كل محسن في الدنيا بطاعة الله تعالى.
ثم قال: ﴿لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ أَسْوَأَ الذي عَمِلُواْ﴾، أي: فعل بهم ذلك لكي يكفر عنهم أسوأ ما عملوا في الدنيا مما بينهم وبين ربهم ﴿وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ﴾، أي: في الآخرة.
﴿بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا (لا بأسوئه).

صفحة رقم 6341
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية