آيات من القرآن الكريم

قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﰿ

ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوَابٍ الْهَبَّارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ يَعْنِي ابْنَ هُرْمُزَ عَنِ ابْنِ سَابِطٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا يُقَالُ لَهُ عَدْنٌ حَوْلَهُ الْبُرُوجُ وَالْمُرُوجُ لَهُ خَمْسَةُ آلَافِ بَابٍ عِنْدَ كُلِّ بَابٍ خَمْسَةُ آلَافِ حِبْرَةٍ «١» لَا يَدْخُلُهُ- أَوْ لَا يَسْكُنُهُ- إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ أَوْ إِمَامٌ عَدْلٌ» وَقَدْ وَرَدَ فِي ذِكْرِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ وجوه عديدة.
وقوله عز وجل: مُتَّكِئِينَ فِيها قِيلَ مُتَرَبِّعِينَ فِيهَا عَلَى سُرُرٍ تَحْتَ الْحِجَالِ «٢» يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ أَيْ مهما طلبوا وجدوا وأحضر كَمَا أَرَادُوا وَشَرابٍ أَيْ مِنْ أَيِّ أَنْوَاعِهِ شاؤوا أَتَتْهُمْ بِهِ الْخُدَّامُ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ [الْوَاقِعَةِ: ١٨] وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَيْ عَنْ غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ فَلَا يَلْتَفِتْنَ إِلَى غَيْرِ بُعُولَتِهِنَّ أَتْرابٌ أَيْ مُتَسَاوِيَاتٌ فِي السِّنِّ وَالْعُمُرِ هَذَا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَالسُّدِّيِّ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ أَيْ هذا الذي ذكرنا من صفة الجنة هي الَّتِي وَعَدَهَا لِعِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ الَّتِي يَصِيرُونَ إِلَيْهَا بَعْدَ نُشُورِهِمْ وَقِيَامِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ وَسَلَامَتِهِمْ مِنَ النار. ثم أخبر تبارك وتعالى عَنِ الْجَنَّةِ أَنَّهُ لَا فَرَاغَ لَهَا وَلَا زوال ولا انقضاء ولا انتهاء فقال تعالى: إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنا مَا لَهُ مِنْ نَفادٍ كقوله عز وجل مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ [النحل: ٩٦] وكقوله جل وعلا عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود: ١٠٨] وكقوله تعالى: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [فُصِّلَتْ: ٨] أَيْ غَيْرُ مقطوع وكقوله عز وجل: أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ [الرَّعْدِ: ٣٥] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كثيرة جدا.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٥٥ الى ٦٤]
هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩)
قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هَذَا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١) وَقالُوا مَا لَنا لَا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤)
لما ذكر تبارك وتعالى مَآلَ السُّعَدَاءِ ثَنَّى بِذِكْرِ حَالِ الْأَشْقِيَاءِ وَمَرْجِعِهِمْ ومآبهم في دار معادهم وحسابهم فقال عز وجل: هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ وَهُمُ الْخَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ الله عز وجل المخالفون لرسل الله ﷺ لَشَرَّ مَآبٍ أَيْ لَسُوءَ مُنْقَلَبٍ وَمَرْجِعٍ. ثُمَّ فسره بقوله جل وعلا:
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها أَيْ يَدْخُلُونَهَا فَتَغْمُرُهُمْ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِمْ فَبِئْسَ الْمِهادُ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ

(١) الحبرة: حلة يمنية.
(٢) الحجلة، بفتح الحاء والجيم: بيت كالقبة يستر بالثياب، وتكون له أزرار كبيرة.

صفحة رقم 68

أَمَّا الْحَمِيمُ فَهُوَ الْحَارُّ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ، وَأَمَّا الْغَسَّاقُ فَهُوَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْبَارِدُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ مِنْ شِدَّةِ بَرْدِهِ الْمُؤْلِمِ.
ولهذا قال عز وجل: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ أَيْ وَأَشْيَاءُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ: الشَّيْءُ وَضِدُّهُ يُعَاقَبُونَ بِهَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنَا دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهَرَاقُ فِي الدُّنْيَا لَأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ رِشْدِينِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ بِهِ ثُمَّ قَالَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ كذا قال وقد تقدم في غَيْرِ حَدِيثِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بِهِ.
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: غَسَّاقٌ عَيْنٌ فِي جَهَنَّمَ يَسِيلُ إِلَيْهَا حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ «٣» مِنْ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَسْتَنْقِعُ فَيُؤْتَى بِالْآدَمِيِّ فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً وَاحِدَةً فَيَخْرُجُ وَقَدْ سَقَطَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ عَنِ الْعِظَامِ وَيَتَعَلَّقُ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ فِي كَعْبَيْهِ وَعَقِبَيْهِ ويجر لحمه كله كَمَا يَجُرُّ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حاتم. وقال الحسن البصري في قوله تعالى: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ أَلْوَانٌ مِنَ الْعَذَابِ «٤»، وَقَالَ غَيْرُهُ كَالزَّمْهَرِيرِ وَالسَّمُومِ وَشُرْبِ الْحَمِيمِ وَأَكْلِ الزَّقُّومِ وَالصُّعُودِ وَالْهُوِيُّ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْمُتَضَادَّةِ وَالْجَمِيعُ مِمَّا يُعَذَّبُونَ بِهِ، ويهانون بسببه.
وقوله عز وجل: هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ هذا إخبار من الله تعالى عَنْ قِيلِ أَهْلِ النَّارِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [الْأَعْرَافِ: ٣٨] يَعْنِي بَدَلَ السَّلَامِ يَتَلَاعَنُونَ وَيَتَكَاذَبُونَ وَيَكْفُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَتَقُولُ الطَّائِفَةُ الَّتِي تَدْخُلُ قَبْلَ الْأُخْرَى إِذَا أَقْبَلَتِ الَّتِي بَعْدَهَا مَعَ الْخَزَنَةِ مِنَ الزَّبَانِيَةِ هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ أَيْ دَاخِلٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ أَيْ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ جَهَنَّمَ قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ أَيْ فَيَقُولُ لَهُمُ الدَّاخِلُونَ بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا أَيْ أَنْتُمْ دَعَوْتُمُونَا إِلَى مَا أَفْضَى بِنَا إِلَى هَذَا الْمَصِيرِ فَبِئْسَ الْقَرارُ أَيْ فَبِئْسَ الْمَنْزِلُ وَالْمُسْتَقَرُّ وَالْمَصِيرُ قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هَذَا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لَا تَعْلَمُونَ [الْأَعْرَافِ:
٣٨] أَيْ لِكُلٍّ مِنْكُمْ عَذَابٌ بِحَسَبِهِ وَقالُوا مَا لَنا لَا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ هَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْكُفَّارِ في النار أنهم يفقدون رجالا

(١) المسند ٣/ ٢٨، ٨٣.
(٢) تفسير الطبري ١٠/ ٦٠٠. [.....]
(٣) الحمة: سم العقرب.
(٤) تفسير الطبري ١٠/ ٦٠٠.

صفحة رقم 69
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية