آيات من القرآن الكريم

قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ
ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ

[سُورَة ص (٣٨) : آيَة ٦١]

قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هَذَا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١)
قالُوا أَيْ الْفَوْجُ الْمُقْتَحِمُ وَهُوَ فَوْجُ الْأَتْبَاعِ، فَهَذَا مِنْ كَلَامِ الَّذِينَ قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ [ص: ٦٠] لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: مَنْ قَدَّمَ لَنا هَذَا يُعَيِّنُ هَذَا الْمَحْمَلَ. وَلِذَلِكَ حُقَّ أَنْ يَتَسَاءَلَ النَّاظِرُ عَنْ وَجْهِ إِعَادَةِ فِعْلِ قالُوا وَعَنْ وَجْهِ عَدَمِ عَطْفِهِ عَلَى قَوْلِهِمُ الْأَوَّلِ.
فَأَمَّا إِعَادَةُ فِعْلِ الْقَوْلِ فَلِإِفَادَةِ أَنَّ الْقَائِلِينَ هُمُ الْأَتْبَاعُ فَأُعِيدَ فِعْلُ الْقَوْلِ تَأْكِيدًا لِلْفِعْلِ الْأَوَّلِ لِقَصْدِ تَأْكِيدِ فَاعِلِ الْقَوْلِ تَبَعًا لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِضَمِيرِ الْقَائِلِينَ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ حِكَايَةِ قَوْلِهِمْ: هَذَا تَحْذِيرُ كُبَرَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَوَاقِبِ رِئَاسَتِهِمْ وَزَعَامَتِهِمُ الَّتِي يَجُرُّونَ بِهَا الْوَيْلَاتِ عَلَى أَتْبَاعِهِمْ فَيُوقِعُونَهُمْ فِي هَاوِيَةِ السُّوءِ حَتَّى لَا يَجِدَ الْأَتْبَاعُ لَهُمْ جَزَاءً بَعْدَ الْفَوْتِ إِلَّا طَلَبَ مُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ لَهُمْ. وَأَمَّا تَجْرِيدُ فِعْلِ قالُوا عَنِ الْعَاطِفِ فَلِأَنَّهُ قُصِدَ بِهِ التَّوْكِيدُ اللَّفْظِيُّ والتوكيد اللَّفْظِيّ يكون عَلَى مِثَالِ الْمُوَكَّدِ.
وَلَا تَلْتَبِسُ حِكَايَةُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ بِحِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ فَيُحْسَبُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْفَرِيقِ الْآخَرِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ بِعُنْوَانِ مَنْ قَدَّمَ لَنا هَذَا يُعَينُ أَنَّ قَائِلِيهِ هُمُ الْقَائِلُونَ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا [ص: ٦٠]، وَأَنَّ الَّذِينَ قَدَّمُوا لَهُمْ هُمُ الطَّاغُونَ. وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ آيَةُ سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٣٨] قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ.
ومَنْ فِي قَوْلِهِ: مَنْ قَدَّمَ لَنا هَذَا مَوْصُولَةٌ، وَجُمْلَةُ فَزِدْهُ خَبَرٌ عَنْ مَنْ، وَاقْتِرَانُ الْخَبَرِ بِالْفَاءِ جَرَى عَلَى مُعَامَلَةِ الْمَوْصُولِ مُعَامَلَةَ الشَّرْطِ فِي قَرْنِ خَبَرِهِ بِالْفَاءِ وَهُوَ كَثِيرٌ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ [٣٤].
وَالضِّعْفُ، بِكَسْر الضَّاد: يسْتَعْمل اسْمَ مَصْدَرِ ضعّف وضاعف، فَهُوَ اسْم التَّضْعِيفِ وَالْمُضَاعَفَةِ، أَيْ تَكْرِيرُ الْمِقْدَارِ وَتَكْرِيرُ الْقُوَّةِ، وَهُوَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَضَايِفَةِ الْمَعَانِي كَالنِّصْفِ وَالزَّوْجِ.

صفحة رقم 291
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية