آيات من القرآن الكريم

قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﰿ

ولهم أيضا أزواج قاصرات الطّرف لا ينظرن إلى غيرهم، وهنّ لدات أتراب على سنّ واحدة، متساوين في الحسن والجمال والشباب، بنات ثلاث وثلاثين سنة.
ثم ذكر الله تعالى أن هذا الموصوف بهذه الصفات هو الجزاء والثواب الذي وعد به المتقين، ثم أخبر تعالى عن دوام هذا الثواب. وهذا دليل على أن نعيم الجنة لا ينقطع.
عقاب الطاغين الأشقياء
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٥٥ الى ٦٤]
هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨) هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩)
قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤)
الإعراب:
هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ.. هذا: خبر مبتدأ محذوف، تقديره: الأمر هذا.
هذا فَلْيَذُوقُوهُ.. هذا يجوز فيه النصب والرفع، أما النصب فبتقدير فعل يفسره فَلْيَذُوقُوهُ أي فليذوقوه هذا فليذوقوه، والفاء زائدة في مذهب أبي الحسن الأخفش، مثل:
هذا زيد فاضرب. وأما الرفع: فهو على أنه مبتدأ، وخبره: حَمِيمٌ، وفَلْيَذُوقُوهُ اعتراض، والفاء للتنبيه، أو هو المخصوص بالذم، أي بئس المهاد هذا المذكور، أو مبتدأ وخبره فَلْيَذُوقُوهُ ويرفع حَمِيمٌ على تقدير (هو حميم)، أو خبر مبتدأ، تقديره: الأمر هذا، ويرفع حَمِيمٌ على تقدير: هو حميم.

صفحة رقم 218

وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ: آخَرُ مبتدأ، ومِنْ شَكْلِهِ صفة له، ولهذا حسن أن يكون مبتدأ، مع كونه نكرة، وأَزْواجٌ خبر المبتدأ. ويجوز جعل أَزْواجٌ مبتدأ ثانيا، ومِنْ شَكْلِهِ خبر ل أَزْواجٌ والجملة منهما خبر المبتدأ الأول الذي هو آخَرُ.
ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ: ما في موضع رفع بالابتداء، ولَنا خبره، ولا نَرى حال من ضمير لَنا. وكُنَّا نَعُدُّهُمْ صفة ل رِجالًا. ومِنَ الْأَشْرارِ في موضع نصب، لتعلقه ب نَعُدُّهُمْ. وتجوز إمالة مِنَ الْأَشْرارِ لوجود الراء المكسورة.
إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ: تَخاصُمُ إما بدل من لَحَقٌّ أو خبر مبتدأ محذوف تقديره (هو تخاصم) أو خبر بعد خبر ل إِنَّ أو بدل من ذلِكَ على الموضع.
البلاغة:
الْأَشْرارِ الْأَبْصارُ أَهْلِ النَّارِ فيها مراعاة الفواصل من المحسنات البديعية.
فَبِئْسَ الْمِهادُ شبه ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفترشه النائم.
المفردات اللغوية:
لِلطَّاغِينَ الكفار الذين كذبوا بالله ورسله، وتجاوزوا حدود الله. مَآبٍ مرجع ومصير. يَصْلَوْنَها يدخلونها. الْمِهادُ الفراش. هذا العذاب، المفهوم مما بعده.
حَمِيمٌ ماء شديد الحرارة. وَغَسَّاقٌ شديد البرودة، وهو ما يسيل من صديد أهل النار.
وَآخَرُ أي وعذاب آخر، وقرئ: «وأخر» بالجمع، أي وأنواع عذاب آخر. مِنْ شَكْلِهِ مثل المذوق في الشدة والكراهية، أو مثل المذكور من الحميم والغساق. أَزْواجٌ أصناف أو أجناس عذابهم.
هذا فَوْجٌ أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار، والفوج: الجمع الكثير من أتباع الضلال. مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ داخل معكم النار بشدة. لا مَرْحَباً بِهِمْ أي لا سعة عليهم ولا ترحيب بهم، وهذا ما يقوله الرؤساء لأتباعهم. صالُوا النَّارِ داخلون النار بأعمالهم مثلنا.
قالُوا: بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ قال الأتباع للرؤساء: بل أنتم أحق بما قلتم. أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا أي الكفر. فَبِئْسَ الْقَرارُ المقر وهو جهنم، فلنا ولكم النار.
قالُوا أي الأتباع أيضا. عَذاباً ضِعْفاً مضاعفا أي ذا ضعف، بأن يزيد على العذاب مثله، فيصير ضعفين، كقوله تعالى: رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ [الأحزاب ٣٣/ ٦٨]. وَقالُوا أي الرؤساء الطاغون، وهم في النار. مِنَ الْأَشْرارِ الأراذل

صفحة رقم 219

الذين لا خير فيهم، يريدون بهم فقراء المسلمين الذين يحتقرونهم ويسترذلونهم ويسخرون بهم.
أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا استفهام إنكاري، إنكار على أنفسهم وتأنيب لها في تسخيرهم في الدنيا، أي الأجل أنا قد اتخذناهم مسخرين في أعمالنا، ولم يكونوا كذلك، لم يدخلوا النار؟ وقرئ بضم السين، أي كنا نسخر بهم. أَمْ زاغَتْ مالت. عَنْهُمُ الْأَبْصارُ أي أم هم معنا، ولكن لم ترهم أعيننا، وهم فقراء المسلمين كعمار وبلال وصهيب وسلمان.
إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ ذلك الذي حكينا عنهم واجب وقوعه، لا بد أن يتكلموا به، ثم بيّن ما هو، فقال: تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ أي تنازعهم ومخاصمة بعضهم بعضا.
المناسبة:
بعد أن وصف الله تعالى ثواب المتقين ومآل السعداء، وصف بعده عقاب الطاغين وحال الأشقياء المحرومين، ليتم التقابل والمقارنة بين الفريقين، ويقترن الوعد بالوعيد، فيقبل على الطاعة، ويجتنب المعصية، ويتحقق الهدف المنشود وهو الإصلاح والتهذيب.
التفسير والبيان:
هذا، وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ أي هذا المذكور هو جزاء المؤمنين، أو الأمر هذا كما ذكر، وإن للكافرين الخارجين عن طاعة الله عز وجل، المكذبين لرسله، لسوء منقلب ومرجع. ثم فسره بقوله عز وجل:
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ أي إنهم يدخلون جهنم ويلفحهم حرها من كل جانب، فبئس ما مهدوا لأنفسهم، وهو الفراش، أي بئس ما تحتهم من نار جهنم، مشبها النار بالمهاد، كقوله تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ [الأعراف ٧/ ٤١].
هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ أي هذا حميم فليذوقوه، أو العذاب هذا فليذوقوه، وهو أمرتهكم وسخرية بذوق العذاب، وهو ماء حار شديد الحرارة

صفحة رقم 220

يشوي الجلود، وماء بارد مؤلم لا يستطاع شربه لشدة برودته، أو هو ما سال من جلود أهل النار من القيح والصديد.
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ أي ولهم أنواع أخرى من العذاب مثل الحميم والغساق، أشد كراهية وإيلاما كالزقوم، والصعود والسّموم، والزمهرير، يعاقبون بها، من الشيء وضده. فقوله: أَزْواجٌ أي ألوان من العذاب المختلفة المتضادة.
ثم وصف الله تعالى كلام أهل النار مع بعضهم بعضا، فقال:
هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ، إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ أي تقول الطائفة التي تدخل قبل الأخرى إذا أقبلت التي بعدها مع الخزنة والزبانية: هذا جمع كبير داخل معكم، فلا مرحبا بهم، أي لا كرامة لهم، وهم يدخلون النار كما دخلناها، ويستحقونها كما استحققناها. والمراد من قولهم: لا مَرْحَباً بِهِمْ الدعاء عليهم. وهذا قول صادر من السادة أو الرؤساء والقادة عن الأتباع المنبوذين في الدنيا، والمراد به الإخبار من الله تعالى عن انقطاع المودة بين الكفار، بل إن المودة التي كانت بينهم تصير عداوة.
فيجيبهم الأتباع قائلين:
١- بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ، أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا، فَبِئْسَ الْقَرارُ أي قال الأتباع للرؤساء: بل أنتم لا كرامة لكم، وأنتم أحق بهذا منا، فإنكم أضللتمونا ودعوتمونا إلى هذا المصير وأوقعتمونا فيه، فبئس المقر جهنم لنا ولكم. والمراد من هذا الكلام التشفي منهم، كما قال تعالى: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [الأعراف ٧/ ٣٨].
٢- قالُوا: رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ أي قال الأتباع أيضا عن الرؤساء داعين عليهم: ربنا عاقب الذين أوردونا هذا المورد في

صفحة رقم 221

النار وقدموا لنا هذا العذاب عقابا مضاعفا في النار، عقابا على الكفر، وعقابا على الإضلال، كما قال تعالى: رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا، فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ: لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ أي لكل منكم عذاب بحسبه [الأعراف ٧/ ٣٨- ٣٩] وقال سبحانه: رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا، فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ، وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً [الأحزاب ٣٣/ ٦٧- ٦٨]. ويؤيده
الحديث الصحيح عند مسلم عن جرير بن عبد الله: «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها».
ثم تحدث الكفار عن أناس كانوا يعتقدون أنهم على الضلالة، فقال تعالى:
وَقالُوا: ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ؟ أي قال المشركون بعضهم لبعض تعجبا وتحسرا: إننا نفتقد في النار رجالا كنا نعدهم في الدنيا أشرارا لا خير فيهم، فما لنا لا نراهم معنا في النار؟ يعنون في زعمهم فقراء المؤمنين، كعمّار وخبّاب وصهيب وبلال وسالم وسلمان.
قال مجاهد: هذا قول أبي جهل يقول: ما لي لا أرى بلالا وعمارا وصهيبا وفلانا وفلانا؟ وهذا ضرب مثل، وإلا فكل الكفار، هذا حالهم، يعتقدون أن المؤمنين يدخلون النار. فلما دخل الكفار النار افتقدوهم فلم يجدوهم، فقالوا هذا القول.
أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ أي الأجل أنا قد سخرناهم في الدنيا في أعمالنا، أو سخرنا منهم، وكانوا أهل الكرامة فأخطأنا، فلم يدخلوا النار، أم هم معنا ولكن لم نعلم مكانهم في النار؟ قال الحسن البصري: كل ذلك قد فعلوه، اتخذوهم سخريا، وزاغت عنهم أبصارهم، أي وهم في الجنة. وقوله:
سِخْرِيًّا بضم السين وكسرها، قيل: هما بمعنى واحد، وقيل: بالكسر هو الهزء، وبالضم: هو التذليل والتسخير.

صفحة رقم 222

وهذا إنكار على أنفسهم وتأنيب لها على اتخاذهم سخريا في الدنيا.
ثم أكد الله تعالى حدوث هذا التخاصم والتنازع قائلا:
إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ أي إن ذلك الذي حكاه الله عنهم لحق لا بدّ أن يتكلموا به، أو هذا الذي أخبرناك به يا محمد أمر واقع حتما يوم القيامة، وهو تخاصم أهل النار فيها، وما قالته الرؤساء للأتباع، وما قالته الأتباع لهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
ذكر الله تعالى ألوانا من العذاب في النار للكفار يوم القيامة، وتلك الألوان أو الأنواع هي ما يأتي:
١- إن مصير الظالمين الكافرين شر مرجع ومآب ومنقلب يصيرون إليه.
٢- إنهم يصلون جهنم، أي يدخلونها، وبئس ما مهدوا لأنفسهم، أو بئس الفراش لهم، وهو ما تحتهم من النار.
٣- إن شرابهم الحميم والغسّاق، والحميم: الماء الحار الشديد الحرارة، والغساق: ما سال من جلود أهل النار من القيح والصديد.
٤- لهم أصناف وألوان أخرى من العذاب كالزمهرير والسموم وأكل الزقوم والصعود والهوي، إلى غير ذلك من الأشياء المختلفة المتضادة، والجميع مما يعذبون به، ويهانون بسببه.
٥- قال ابن عباس: إن القادة إذا دخلوا النار، ثم دخل بعدهم الأتباع، قالت الخزنة للقادة: هذا فَوْجٌ يعني الأتباع، والفوج: الجماعة مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ أي داخل النار معكم، فقالت السادة: لا مَرْحَباً بِهِمْ أي لا اتسعت منازلهم في النار، والمراد به الدعاء. فقال القادة أو الملائكة: إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ كما صليناها.

صفحة رقم 223
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية