
لأن ذلك الإخبار كان صادرا من الملائكة على سبيل التصوير للمسألة فمثلوا بقصة رجل له نعجة ولخليطه تسع وتسعون فأراد صاحبه تتمة الماء فطمع في نعجة خليطه وأراد انتزاعها منه وحاجّه في ذلك محاجّة حريص على بلوغ مراده ويدل على ذلك قوله: وان كثيرا من الخلطاء، وهذا التصوير والتمثيل أبلغ في المقصود وأدل على المراد» الى أن يقول: «وما حكى القصاص مما فيه غض من منصب النبوة طرحناه ونحن كما قال الشاعر:
ونؤثر حكم العقل في كل شبهة | إذا آثر الاخبار جلاس قصاص |
يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩) صفحة رقم 352

الإعراب:
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) كلام مستأنف مسوق لحكاية ما خوطب به داود بعد ما تقدم، ولك أن تقدر قولا محذوفا معطوفا على قوله غفرنا أو حال من فاعل غفرنا أي وقلنا أو قائلين، ويا حرف نداء وداود منادى مفرد علم مبني على الضم وإن واسمها وجملة جعلناك خبرها وجعلناك فعل ماض وفاعل ومفعول به أول وخليفة مفعول جعلنا الثاني وفي الأرض نعت لخليفة. (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) الفاء الفصيحة واحكم فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وبين الناس متعلقان بقوله فاحكم وبالحق حال. (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) الواو عاطفة ولا ناهية وتتبع فعل مضارع مجزوم بلا وفاعله مستتر تقديره أنت والهوى مفعول به والفاء هي فاء السببية لوقوعها في جواب النهي ويضلك فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية والفاعل مستتر تقديره هو يعود على الهوى والكاف مفعول به وعن سبيل الله متعلقان بيضلك ولا مانع من جعل الفاء عاطفة ويضلك معطوف على تتبع.
(إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) الجملة تعليلية للنهي عن اتباع الهوى وان واسمها وجملة يضلون صلة الذين وعن سبيل الله متعلقان بيضلون ولهم خبر مقدم وعذاب مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية خبر إن وشديد نعت لعذاب والباء حرف جر وما مصدرية مؤولة مع بعدها بمصدر مجرور بالباء والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال أي بسبب نسيانهم ويوم الحساب مفعول به لنسوا أو ظرف لقوله لهم عذاب شديد أو صفة ثانية له أي لهم عذاب شديد كائن في يوم القيامة بسبب نسيانهم.

(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا) كلام مستأنف مسوق لتقرير مضمون ما تقدم من أمر البعث والحساب والجزاء. وما نافية وخلقنا فعل وفاعل والسماء مفعول به والأرض عطف على السماء وما بينهما عطف أيضا والظرف متعلق بمحذوف صلة ما وباطلا نعت لمصدر محذوف أي خلقا باطلا ويجوز أن يكون حالا من فاعل خلقنا أي مبطلين أو ذوي باطل.
(ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) ذلك اسم الاشارة مبتدأ أي خلقها باطلا وظن خبره والذين مضاف اليه وجملة كفروا صلة، فويل: الفاء عاطفة لترتيب ثبوت الويل لهم على ظنهم الباطل، وويل مبتدأ وللذين كفروا خبره وجملة كفروا صلة ومن النار صفة لويل. وفي وضع الموصول موضع ضمير هم اشعار بأنهم استحقوا النار بكفرهم. (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ) أم عاطفة منقطعة وفيها معنى الاستفهام الإنكاري ونجعل فعل مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر تقديره نحن والذين آمنوا مفعول نجعل الأول وآمنوا صلة وعملوا الصالحات عطف على آمنوا والكاف اسم بمعنى مثل في محل نصب مفعول به ثان لنجعل وفي الأرض متعلقان بالمفسدين. (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) عطف على ما تقدم وفي الإنكار إبطال لما يدعونه من أن الجزاء غير وارد لأنه لو صح كلامهم لاستوت عند الله حال من أصلح أو أفسد ومن اتقى أو فجر.
(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) كتاب خبر لمبتدأ محذوف أي هذا كتاب وجملة أنزلناه صفة وإليك جار