آيات من القرآن الكريم

يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ

اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ "ص" فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزّن (١) النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ: "إِنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزّنْتُم". فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدُوا. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ (٢) وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ أَيْ: وَإِنَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا وَحُسْنَ مَرْجِعٍ وَهُوَ الدَّرَجَاتُ الْعَالِيَاتُ فِي الْجَنَّةِ لِتَوْبَتِهِ (٣) وَعَدْلِهِ التَّامِّ فِي مُلْكِهِ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: "الْمُقْسِطُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يُقْسِطُونَ فِي أَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا" (٤)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ عَنْ عَطِيَّةَ (٥) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ عَادِلٌ (٦) وَإِنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَشَدَّهُمْ عَذَابًا إِمَامٌ جَائِرٌ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلٍ -وَهُوَ ابْنُ مَرْزُوقٍ الْأَغَرُّ-عَنْ عَطِيَّةَ بِهِ (٧) وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ (٨) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ قَالَ: يُقَامُ دَاوُدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ ثُمَّ يَقُولُ: يَا دَاوُدُ مَجِّدْنِي الْيَوْمَ بِذَلِكَ الصَّوْتِ الْحَسَنِ الرَّخِيمِ الَّذِي كُنْتَ تُمَجِّدُنِي بِهِ فِي الدُّنْيَا. فَيَقُولُ: وَكَيْفَ وَقَدْ سُلِبْتُهُ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي أَرُدُّهُ عَلَيْكَ الْيَوْمَ. قَالَ: فَيَرْفَعُ دَاوُدُ بِصَوْتٍ يَسْتَفْرِغُ نعيم أهل الجنان.
﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦) ﴾
هَذِهِ وَصِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ أَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ الْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَا يَعْدِلُوا عَنْهُ فَيَضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ (٩) وَقَدْ تَوَعَّدَ [اللَّهُ] (١٠) تَعَالَى مَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ،

(١) في ت: "تشدد".
(٢) سنن أبي داود برقم (١٤١٠).
(٣) في ت، س: "لنبوته".
(٤) صحيح مسلم برقم (١٨٢٧) من حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(٥) في ت: "وروى الترمذي".
(٦) في أ: "عدل".
(٧) المسند (٣/٢٢) وسنن الترمذي برقم (١٣٢٩).
(٨) في ت: "وروى".
(٩) في أ: "سبيل الله".
(١٠) زيادة من أ.

صفحة رقم 62

وَتَنَاسَى يَوْمَ الْحِسَابِ، بِالْوَعِيدِ الْأَكِيدِ وَالْعَذَابِ الشَّدِيدِ.
قَالَ (١) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ جَنَاحٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ أَبُو زُرْعَةَ -وَكَانَ قَدْ قَرَأَ الْكِتَابَ-أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ لَهُ: (٢) أَيُحَاسَبُ الْخَلِيفَةُ فَإِنَّكَ قَدْ قَرَأْتَ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ وَفَقِهْتَ؟ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ فِي أَمَانٍ. قَلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ أَوْ دَاوُدُ؟ إِنِ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-جَمَعَ لَهُ النُّبُوَّةَ وَالْخِلَافَةَ ثُمَّ تَوَعَّدَهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ﴾ الْآيَةَ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ يَوْمَ الْحِسَابِ بِمَا نَسُوا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا تَرَكُوا أَنْ يَعْمَلُوا لِيَوْمِ الْحِسَابِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ أَمَشَى عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ فَاللَّهُ أعلم.

(١) في ت: "روى".
(٢) في ت: "لأبي وزعة".

صفحة رقم 63
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية