
الكرام على ما بين فى موضعه وَخَرَّ سقط حال كونه راكِعاً اى ساجدا على تسمية السجود ركوعالانه مبدأه لانه لا يكون ساجدا حتى يركع وفى كل من الركوع والسجود التحنى والخضوع وبه استشهد ابو حنيفة وأصحابه فى سجدة التلاوة على ان الركوع يقوم مقام السجود او خرّ للسجود راكعا اى مصليا إطلاقا للجزء وارادة لكل كأنه احرم بركعتى الاستغفار والدليل على الاول اى على ان الركوع هاهنا بمعنى السجود ما رواه ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي عليه السلام كان يقول فى سجدة ص وسجدة الشكر (اللهم اكتب لى عندك بها اجرا واجعلها لى عندك ذخرا وضع عنى بها وزرا واقبلها منى كما قبلت من عبدك داود سجدته) وَأَنابَ اى رجوع الى الله تعالى بالتوبة من جميع المخالفات التي هى الزلات وما كان من قبيل ترك الاولى والأفضل لان حسنات الأبرار سيآت المقربين وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبي عليه السلام سجد فى ص (وقال سجدها داود توبة ونسجدها شكرا) وهذه السجدة من عزائم السجود عند ابى حنيفة ومالك رحهما الله وكل منهما على أصله فابو حنيفة يقول هى واجبة ومالك هى فضيلة وعند الشافعي واحمد سجدة شكر. تستحب فى غير الصلاة فلو سجد بها فى الصلاة بطلت عندهما كما فى فتح الرحمن وقال الكاشفى [اين سجده نزد امام أعظم سجده عزيمت است وميكويد بتلاوت وى سجده بايد كرد در نماز وغير نماز ونزد امام شافعى از عزائم نيست واز امام احمد درين سجده دو روايتست واين سجده دهم است بقول امام أعظم ودر فتوحات مكيه اين را سجده انابت كفته وفرموده كه] يقال لها سجدة الشكر فى حضرة الأنوار لان داود سجدها شكرا فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ اى ما استغفر منه وكان ذلك فى شهر ذى الحجة كما فى بحر العلوم- وروى- انه عليه السلام بقي فى سجوده أربعين يوما وليلة لا يرفع رأسه الا لصلاة مكتوبة او لما لا بد منه ولا يرقأ دمعه حتى نبت منه العشب حول رأسه ولم يشرب ماء الا ثلثاه دمع وجهد نفسه راغبا الى الله فى العفو عنه حتى كاد يهلك واشتغل بذلك عن الملك حتى وثب ابن له يقال له ايشا على ملكه فاجتمع اليه اهل الزيغ من بنى إسرائيل فلما نزلت توبته بعد الأربعين وغفر له حاربه فهزمه وقد قال نبينا عليه السلام (إذا بويع لخليفتين) اى لأحدهما اولا وللآخر بعده (فاقتلوا الآخر منهما) لانه كالباغى هذا إذا لم يندفع الا بقتله وَإِنَّ لَهُ اى داود عِنْدَنا لَزُلْفى لقربة وكرامة بعد المنفرة كما وقع لآدم عليه السلام. والزلفى القربة والازلاف التقريب والازدلاف الاقتراب ومنه سميت المزدلفة لقربها من الموقف وعن مالك بن دينار فى قوله (وَإِنَّ لَهُ) إلخ يقول الله تعالى لداود عليه السلام وهو قائم بساق العرش يا داود مجدنى بذلك الصوت الرخيم اللين فيقول كيف وقد سلبتنيه فى الدنيا فيقول انى أرده عليك فيرفع داود صوته بالزبور فيستفرغ نعيم اهل الجنة كما فى الوسيط وَحُسْنَ مَآبٍ حسن مرجع فى الجنة وفى كشف الاسرار هو الجنة يعنى الجنة هى مآب الأنبياء والأولياء واصل هذه القصة ان داود عليه السلام رأى امرأة رجل يقال له أوريا بن حنانا ويقال لها بنشاوع او بنشاويع بنت شايع فمال قلبه إليها وابتلى بعشقها وحبها من غير اختيار منه كما ابتلى نبينا عليه السلام بزينب رضى الله عنها لما رآها يوما حتى قال يا مقلب القلوب فسأله داود ان يطلقها فاستحيى ان يرده ففعل فتزوجها وهى
صفحة رقم 18
أم سليمان عليه السلام وكان ذلك جائزا فى شريعته معتادا فيما بين أمته غير مخل بالمروءة حيث كان يسأل بعضهم بعضا ان ينزل عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته خلا انه عليه السلام لعظم منزلته وارتفاع مرتبته وعلو شانه نبه بالتمثيل على انه لم يكن ينبغى له ان يتعاطى ما يتعاطاه آحاد أمته ويسأل رجلا ليس له الا امرأة واحدة ان ينزل عنها فيتزوجها مع كثرة نسائه بل كان يجب عليه ان يصبر على ما امتحن به كما صبر نبينا عليه السلام حتى كان طالب الطلاق هو زوج زينب وهو زيد المذكور فى سورة الأحزاب لا هو عليه السلام اى لم يكن هو عليه السلام طالب الطلاق قال البقلى عشق داود عليه السلام
لعروس من عرائس الحق حين تجلى الحق منها له فانه كان عاشق الحق فسلاه بواسطة من وسائطه وهذه القصة تسلية لقلب نبينا عليه الصلاة والسلام حيث أوقع الله فى قلبه محبة زينب فضاق صدره فقال سبحانه (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) وفرح بذلك وزادله محبة الله والشوق الى لقائه قال ابو سعيد الخراز قدس سره زلات الأنبياء فى الظاهر زلات وفى الحقيقة كرامات وزلف ألا ترى الى قصة داود حين احسن باوائل امره كيف استغفر وتضرع ورجع فكان له بذلك عنده زلفى وحسن مآب صدق ابو سعيد فيما قال لان بلاء الأنبياء والأولياء لا ينقص اصطفائيتهم بل يزيدهم شرفا على شرفهم وذلك لان مقام الخلافة مظهر الجمال والجلال فيتحقق بتجليات الجلال بالافتتان والابتلاء وفى ذلك ترق له كما قال فى التأويلات النجمية ان من شأن النبي والولي ان يحكم كل واحد منهم بين الخصوم بالحق كما ورد الشرع به بتوفيق الله وان الواجب عليهم ان يحكموا على أنفسهم بالحق كما يحكمون على غيرهم كما قال تعالى (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) فلما تنبه داود انه ما حكم على نفسه بالحق كما حكم على غيره استغفر ورجع الى ربه متضرعا خاشعا باكيا بقية العمر معتذرا عما جرى عليه فتقبل الله منه ورحم عليه وعفا عنه كما قال (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) اى لقربة بكل تضرع وخضوع وخشوع وبكاء وانين وحنين وتأوّه صدر منه (وَ) له بهذه المراجعات (حُسْنَ مَآبٍ) عندنا انتهى وفى الحديث (اوحى الله تعالى الى داود يا داود قل للعاصين ان يسمعونى ضجيج أصواتهم فانى أحب ان اسمع ضجيج العاصين إذا تابوا الىّ يا داود لن يتضرع المتضرعون الى من هو أكرم منى ولا يسأل السائلون أعظم منى جودا وما من عبد يطيعنى الا وانا معطيه قبل ان يسألنى ومستجيب له قبل ان يدعونى وغافر له قبل ان يستغفرنى) وقد أنكر القاضي عياض ما نقله المؤرخون والمفسرون فى هذه القصة وو هى قولهم فيها ونقل عن ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهم انهما قالا ما زاد داود على ان قال للرجل انزل لى عن امرأتك وأكفلنيها فعاتبه الله على ذلك ونبه عليه وأنكر عليه شغله بالدنيا قال وهذا هو الذي ينبغى ان يعول عليه من امره- وحكى- بعضهم ان أوريا كان خطب تلك المرأة: يعنى [أوريا آن زن را خطبه كرده بود او را بخواسته واز قوم وى اجابت يافته ودل بر وى نهاده «فاما عقد نكاح» هنوز نرفته بود «فلما غاب أوريا» يعنى بغزا رفت] وكان من غزاة البلقاء ثم خطبها داود فزوجت منه لجلال قدره فاغتم لذلك أوريا فعاتبه الله على ذلك فكان ذنبه ان خطب على خطبة أخيه المسلم مع عدم احتياجه لانه