
ثم سجد فقال مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة- رواه الترمذي (وقال هذا حديث غريب) وابن حبان والحاكم وكذا روى ابن ماجة الا انه لم يذكر وتقبلها منى كما تقبلت من عبدك داود.
فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ اى ما استغفر عنه وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا بعد المغفرة لَزُلْفى اى قربا غير متكيف ومكانة حصلت بكمال الندم والاستغفار بحيث لولا تلك الزلة لما حصلت وقيل معناه وانّ له زلفى اى زيادة خير فى الدنيا ومكانة وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥) حسن مرجع ومنقلب فى الاخرة- قلت والظاهر ان من روى ان داود عليه السلام بعث مرة بعد مرة أوريا الى المغازي وأراد منه ان يقتل ليتزوج بعده زوجته فهو كذب مفترى حاشاه عن ذلك وعامة ما يدل عليه لفظ القران انه عليه السلام ودّ ان يكون له ما لغيره وكان له تسعا وتسعين من أمثاله فنبهه الله بهذه القضية فاستغفروا ناب عنه قال صاحب المدارك روى ان اهل زمان داود عليه السلام كان يسئل بعضهم بعضا ان ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته وكان لهم عادة فى المواساة بذلك كما كان الأنصار يواسون المهاجرين بمثل ذلك فاتفق ان عين داود عليه السلام وقعت على امراة أوريا فاحبها فساله النزول له عنها واستحيى أوريا ان يرد قوله ففعل فتزوجها- قلت ولم يفعل داود عليه السلام مثل ما فعل نبينا ﷺ حين أعجبته زينب حيث قال لزيد امسك عليك زوجك واتّق الله فزوجها الله إياه ولاجل ذلك عاتب الله داود عليه السلام فاستغفر ربّه وأناب ولفظ القران يؤيد هذه الرواية حيث ادعى المدعى بقوله قال أكفلنيها وعزّنى فى الخطاب ولم يقل أراد قتلى وحكم داود بانه قد ظلمك بسؤال لعجتك الى نعاجه والله اعلم- قال البغوي قال وهب بن منبه ان داود لما تاب الله عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة ولا يرتى ادمعه ليلا ولا نهارا وكان أصاب الخطيئة وهو ابن سبعين سنة فقسم الدهر بعد الخطيئة على اربعة ايام يوم للقضاء بين بنى إسرائيل ويوم لنسائه ويوم يسبح فى الفيافي والجبال ويوم يخلو فى داره فيها اربعة آلاف محراب فيجتمع اليه الرهبان فينوح

معهم على نفسه فيساعدونه على ذلك فاذا كان يوم سياحتهم يخرج فى الفيافي ويرفع صوته بالمزامير فيبكى ويبكى معه الجبال والحجارة والدواب والطير حتى يسيل اودية من بكائهم ثم يجئ الى الساحل فيرفع صوته بالمزامير فيبكى او يبكى معه الحيتان ودواب البحر وطير الماء والسباع فاذا امسى رجع فاذا كان يوم نوحه على نفسه نادى مناديه ان اليوم نوح داود على نفسه فليحضر من يساعده فيدخل الدار التي فيها المحاريب فبسط ثلاث فرش من مسوح حشوها ليف فيجلس عليها ويجئ اربعة آلاف راهب عليهم البرانس وفى أيديهم العصا فيجلسون فى تلك المحاريب ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح على نفسه ويرفع الرهبان معه أصواتهم فلا يزال يبكى حتى يغرق الفرش من دموعه ويقع داود فيها مثل الفرخ ويضطرب فيجئ ابنه سليمان عليهما السلام فيحمله فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ثم يمسح وجهه ويقول يا رب اغفر لى ما ترى فلو عدل بكاء داود ببكاء اهل الدنيا لعدله قال وهب ما رفع داود رأسه حتى قال له ملك أول أمرك ذنب وآخره مغفرة ارفع رأسك فرفع رأسه فمكث حياته لا يشرب ماء الا مزجه بدموعه ولا يأكل الطعام إلا بله بدموعه وذكر الأوزاعي مرفوعا الى رسول الله ﷺ ان مثل عينى داود كالقربتين تنفطان ماء ولقد خدت الدموع فى وجهه كخديد الماء فى الأرض- قال وهب لمّا تاب الله على داود قال يا رب غفرت لى فكيف لى ان لا انسى خطيئتى فاستغفر منها وللخاطئين الى يوم القيامة قال فرسم الله خطيئته فى يده اليمنى فما رفع فيها طعاما ولا شرابا الا بكى إذا راها وما كان خطيبا للناس الا بسط راحته فاستقبل الناس ليروا رسم خطيئته وكان يبدئ إذا دعا فاستغفر للخاطئين قبل نفسه- وقال قتادة عن الحسن كان داود بعد الخطيئته لا يجالس الا الخاطئين يقول تعالوا الى داود الخاطئ ولا يشرب شرابا الا مزجه بدموع عينيه وكان يجعل خبز الشعير اليابس فى قطعة فلا يزال يبكى حتى يبل بدموع عينيه وكان يذر عليه الملح والرماد فياكل ويقول هذا أكل الخاطئين- قال وكان داود قبل الخطيئة يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر فلمّا كان من خطيئته ما كان صام الدهر كله وقام الليل كله وقال
صفحة رقم 172