آيات من القرآن الكريم

فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ
ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦ

قال القاضي أبو محمد: وذلك كله محتمل لأن «الشيعة» معناها الصنف الشائع الذي يشبه بعضه بعضا والشيع الفرق وإن كان الأعرف أن المتأخر في الزمن هو شيعة للمتقدم ولكن قد يجيء من الكلام عكس ذلك قال الشاعر [الكميت] :

وما لي إلا آل أحمد شيعة وما لي إلا مشعب الحق مشعب
فجعلهم شيعة لنفسه، وقوله تعالى: بِقَلْبٍ سَلِيمٍ قال المفسرون: يريد من الشرك والشك وجميع النقائص التي تلحق قلوب بني آدم كالغل والحسد والكبر ونحوه قال عروة بن الزبير: لم يلعن شيئا قط، وقوله أَإِفْكاً استفهام بمعنى التقرير أي أكذبا ومحالا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ، ونصب آلِهَةً على البدل من قوله أَإِفْكاً وسهلت الهمزة الأصلية من الإفك وقوله تعالى: فَما ظَنُّكُمْ توبيخ وتحذير وتوعد، ثم أخبر تعالى عن نظرة إبراهيم عليه السلام في النجوم، وروي أن قومه كان لهم عيد يخرجون إليه فدعوا إبراهيم عليه السلام إلى الخروج معهم فنظر حينئذ واعتذر بالسقم وأراد البقاء خلافهم إلى الأصنام، وقال ابن زيد عن أبي أرسل إليه ملكهم أن غدا عيد فاحضر معنا فنظر إلى نجم طالع فقال إن هذا يطلع مع سقمي، فقالت فرقة معنى «نظر في النجوم» أي فيما نجم إليه من أمور قومه وحاله معهم، وقال الجمهور نظر نجوم السماء، وروي أن علم النجوم كان عندهم منظورا فيه مستعملا فأوهمهم هو من تلك الجهة، وذلك أنهم كانوا أهل رعاية وفلاحة، وهاتان المعيشتان يحتاج فيهما إلى نظر في النجوم، واختلف أيضا في قوله إِنِّي سَقِيمٌ، فقالت فرقة هي كذبة في ذات الله تعالى أخبرهم عن نفسه أنه مريض وأن الكوكب أعطاه ذلك، وقال ابن عباس وغيره: أشار لهم إلى مرض وسقم يعدي كالطاعون ولذلك تولوا مُدْبِرِينَ أي فارين منه، وقال بعضهم بل تولوا مُدْبِرِينَ لكفرهم واحتقارهم لأمره.
قال القاضي أبو محمد: وعلى هذا التأويل في أنها كذبة يجيء الحديث لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: قوله إِنِّي سَقِيمٌ، وقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [الأنبياء: ٦٣] وقوله في سارة هي أختي، وقالت فرقة: ليست بكذبة ولا يجوز الكذب عليه ولكنها من المعاريض أخبرهم بأنه سقيم في المثال وعلى عرف ابن آدم لا بد أن يسقم ضرورة، وقيل أراد على هذا إِنِّي سَقِيمٌ النفس أي من أموركم وكفركم فظهر لهم من كلامه أنه أراد سقما بالجسد حاضرا وهكذا هي المعاريض.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل لا يرده الحديث وذكر الكذبات لأنه قد يقال لها كذب على الاتساع بحسب اعتقاد المخبر، والكذب الذي هو قصد قول الباطل، والإخبار بضد ما في النفس بغير منفعة شرعية، هو الذي لا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم.
قوله عز وجل:
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٩١ الى ٩٨]
فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨)

صفحة رقم 478

«راغ» معناه مال، ومنه قول عدي بن زيد: [الخفيف]

حيث لا ينفع الرياغ ولا ينفع إلا المصلق النحرير
وقوله تعالى: أَلا تَأْكُلُونَ هو على جهة الاستهزاء بعبدة تلك الأصنام، وروي أن عادة أولئك كانت أنهم يتركون في بيوت الأصنام طعاما، ويعتقدون أنها تصيب منه شميما ونحو هذا من المعتقدات الباطلة، ثم كان خدم البيت يأكلونه، فلما دخل إبراهيم وقف على الأكل، والنطق والمخاطبة للأصنام والقصد الاستهزاء بعابدها، ثم مال عند ذلك إلى ضرب تلك الأصنام بفأس حتى جعلها جذاذا واختلف في معنى قوله بِالْيَمِينِ فقال ابن عباس: أراد يمنى يديه، وقيل: أراد بقوته لأنه كان يجمع يديه معا بالفأس، وقيل أراد يمين القسم في قوله وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ [الأنبياء: ٥٧] وضَرْباً نصب على المصدر بفعل مضمر من لفظه، وفي مصحف عبد الله عليهم «صفعا باليمين»، والضمير في «أقبلوا» لكفار قومه، وقرأ جمهور الناس «يزفون» بفتح الياء من زف إذا أسرع وزفت الإبل إذا أسرعت، ومنه قول الفرزدق:
[الطويل]
فجاء قريع الشول قبل افالها يزف وجاءت خلفه وهي زفف
ومنه قول الهذلي:
وزفت الشول من برد العشيّ كما زفت النعام إلى حفانه الروح
وقرأ حمزة وحده «يزفزن» بضم الياء من أزف إذا دخل في الزفيف وليست بهمزة تعدية هذا قول، وقال أبو علي: معناه يحملون غيرهم على الزفيف، وحكاه عن الأصمعي وهي قراءة مجاهد وابن وثاب والأعمش، وقرأ مجاهد وعبد الله بن زيد «يزفزن» بفتح الياء وتخفيف الفاء من وزف وهي لغة منكرة، قال الكسائي والفراء: لا نعرفها بمعنى زف، وقال مجاهد: الزفيف النسلان، وذهبت فرقة إلى أن يَزِفُّونَ معناه يتمهلون في مشيهم كزفاف العروس، والمعنى أنهم كانوا على طمأنينة من أن ينال أحد آلهتهم بسوء لعزتهم فكانوا لذلك متمهلين.
قال القاضي أبو محمد: وزف بمعنى أسرع هو المعروف، ثم إن إبراهيم عليه السلام قال لهم في جملة محاورة طويلة قد تضمنتها الآية أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ أي تجعلون إلها معظما شيئا صنعتموه من عود أو حجر وعملتموه بأيديكم أخبرهم بخبر لا يمكنهم إنكاره وهو قوله وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ واختلف المتأولون في قوله وَما تَعْمَلُونَ، فمذهب جماعة من المفسرين أن ما مصدرية والمعنى أن الله خلقكم وأعمالكم، وهذه الآية عندهم قاعدة في خلق أفعال العباد وذلك موافق لمذهب أهل السنة في ذلك، وقالت ما بمعنى الذي، وقالت فرقة ما استفهام، وقالت فرقة هي نفي بمعنى وأنتم لا تعملون شيئا في وقت خلقكم ولا قبله، ولا تقدرون على شيء.
قال القاضي أبو محمد: والمعتزلة مضطرة إلى الزوال عن أن تجعل ما مصدرية، و «البنيان» قيل

صفحة رقم 479
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية