آيات من القرآن الكريم

إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﰿ ﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢ

رآه عرفه فوقف وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَصَافَحَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَلَمْ تَأْخُذْ مِنَ الْمَالِ مِثْلَ مَا أَخَذْتُ؟ قَالَ بلى قال وهذه حالي وهذه حالك؟ قال بلى قَالَ أَخْبِرْنِي مَا صَنَعْتَ فِي مَالِكَ؟ قَالَ لَا تَسْأَلْنِي عَنْهُ، قَالَ فَمَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ جِئْتُ أَعْمَلُ فِي أَرْضِكَ هَذِهِ فَتُطْعِمُنِي هَذِهِ الْكِسْرَةَ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَتَكْسُونِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ إِذَا بَلِيَا، قَالَ لَا وَلَكِنْ أَصْنَعُ بِكَ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا وَلَكِنْ لَا تَرَى مِنِّي خَيْرًا حَتَّى تُخْبِرَنِي مَا صَنَعْتَ فِي مَالِكَ قَالَ أَقْرَضْتُهُ قَالَ مَنْ؟ قَالَ الْمَلِيءَ «١» الْوَفِيَّ قَالَ مَنْ؟ قَالَ اللَّهَ رَبِّي قَالَ وَهُوَ مُصَافِحُهُ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ ثم قال أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ السُّدِّيُّ مُحَاسَبُونَ قَالَ فَانْطَلَقَ الْكَافِرُ وتركه، قال فلما رآه المؤمن وليس يَلْوِي عَلَيْهِ رَجَعَ وَتَرَكَهُ، يَعِيشُ الْمُؤْمِنُ فِي شِدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ وَيَعِيشُ الْكَافِرُ فِي رَخَاءٍ مِنَ الزَّمَانِ قَالَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وأدخل الله تعالى الْمُؤْمِنَ الْجَنَّةَ يَمُرُّ فَإِذَا هُوَ بِأَرْضٍ وَنَخْلٍ وَثِمَارٍ وَأَنْهَارٍ فَيَقُولُ لِمَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ هَذَا لك فيقول يا سبحان الله أو بلغ مِنْ فَضْلِ عَمَلِي أَنْ أُثَابَ بِمِثْلِ هَذَا؟ قَالَ ثُمَّ يَمُرُّ فَإِذَا هُوَ بِرَقِيقٍ لَا تُحْصَى عِدَّتُهُمْ فَيَقُولُ لِمَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ هَؤُلَاءِ لك، فيقول يا سبحان الله أو بلغ مِنْ فَضْلِ عَمَلِي أَنْ أُثَابَ بِمِثْلِ هَذَا، قَالَ ثُمَّ يَمُرُّ فَإِذَا هُوَ بِقُبَّةٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ مُجَوَّفَةٍ فِيهَا حَوْرَاءُ عَيْنَاءُ فَيَقُولُ لِمَنْ هَذِهِ فَيُقَالُ هَذِهِ لَكَ فَيَقُولُ يَا سبحان الله أو بلغ مِنْ فَضْلِ عَمَلِي أَنْ أُثَابَ بِمِثْلِ هَذَا.
قَالَ ثُمَّ يَذْكُرُ الْمُؤْمِنُ شَرِيكَهُ الْكَافِرَ فَيَقُولُ: إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ فَالْجَنَّةُ عَالِيَةٌ وَالنَّارُ هَاوِيَةٌ قَالَ فيريه الله تعالى شَرِيكَهُ فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ النَّارِ فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ عَرَفَهُ فَيَقُولُ: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ بِمَثَلِ مَا مَنَّ عَلَيْهِ. قَالَ فَيَتَذَكَّرُ الْمُؤْمِنُ مَا مَرَّ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشِّدَّةِ فَلَا يَذْكُرُ مِمَّا مَرَّ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشدة أشد عليه من الموت «٢».
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٦٢ الى ٧٠]
أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦)
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠)
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا مِنْ مَآكِلَ وَمُشَارِبَ وَمَنَاكَحَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَلَاذِّ خَيْرٌ ضِيَافَةً وَعَطَاءً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ أَيِ الَّتِي في جهنم وقد يحتمل أن يكون

(١) المليء: صاحب المال، والغني.
(٢) تفسير الطبري ١٠/ ٤٩٤.

صفحة رقم 16

الْمُرَادُ بِذَلِكَ شَجَرَةً وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً كَمَا قَالَ بعضهم أَنَّهَا شَجَرَةٌ تَمْتَدُّ فُرُوعُهَا إِلَى جَمِيعِ مَحَالِّ جَهَنَّمَ كَمَا أَنَّ شَجَرَةَ طُوبَى مَا مِنْ دَارٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا وَفِيهَا مِنْهَا غُصْنٌ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ جِنْسَ شَجَرٍ يُقَالُ لَهُ الزَّقُّومُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٢٠] يَعْنِي الزَّيْتُونَةَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [الواقعة: ٥١- ٥٢].
وقوله عز وجل: إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ قَالَ قَتَادَةُ ذُكِرَتْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ فَافْتَتَنَ بِهَا أَهْلُ الضَّلَالَةِ وَقَالُوا صَاحِبُكُمْ يُنْبِئُكُمْ أَنَّ فِي النَّارِ شَجَرَةً وَالنَّارُ تأكل الشجر فأنزل الله تعالى:
إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ غذيت مِنَ النَّارِ وَمِنْهَا خُلِقَتْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ: إِنَّمَا الزَّقُّومُ التَّمْرُ وَالزُّبْدُ أَتَزَقَّمُهُ.
قُلْتُ وَمَعْنَى الْآيَةِ إِنَّمَا أَخْبَرْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ بِشَجَرَةِ الزقوم اختبارا نختبر بِهِ النَّاسَ مَنْ يُصَدِّقُ مِنْهُمْ مِمَّنْ يُكَذِّبُ كقوله تبارك وتعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً [الإسراء: ٦٠]. وقوله تعالى: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ أَيْ أَصْلُ مَنْبَتِهَا فِي قَرَارِ النَّارِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ تَبْشِيعٌ لَهَا وَتَكْرِيهٌ لِذِكْرِهَا. قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ شُعُورُ الشَّيَاطِينِ قَائِمَةٌ إِلَى السَّمَاءِ، وَإِنَّمَا شَبَّهَهَا بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَقَرَّ فِي النُّفُوسِ أَنَّ الشَّيَاطِينَ قَبِيحَةُ الْمَنْظَرِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بذلك ضرب من الحيات رؤوسها بَشِعَةُ الْمَنْظَرِ، وَقِيلَ جِنْسٌ مِنَ النَّبَاتِ طَلْعُهُ فِي غَايَةِ الْفَحَاشَةِ وَفِي هَذَيْنَ الِاحْتِمَالَيْنِ نَظَرٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَأُولَى، والله أعلم.
وقوله تعالى: فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ. ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الَّتِي لَا أَبْشَعَ مِنْهَا وَلَا أَقْبَحَ مِنْ مَنْظَرِهَا مَعَ مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ الطَّعْمِ وَالرِّيحِ وَالطَّبْعِ فَإِنَّهُمْ لَيَضْطَرُّونَ إِلَى الْأَكْلِ مِنْهَا لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ إِلَّا إِيَّاهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: يْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ فَلَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي بِحَارِ الدُّنْيَا لَأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ؟» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ «١».
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني

(١) أخرجه الترمذي في صفة جهنم باب ٤، وابن ماجة في الزهد باب ٣٨، وأحمد في المسند ١/ ٣٠١، ٣٣٨.

صفحة رقم 17

شُرْبَ الْحَمِيمِ عَلَى الزَّقُّومِ «١»، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ شَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ، مَزْجًا مِنْ حَمِيمٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ يَعْنِي يَمْزُجُ لَهُمُ الْحَمِيمَ بِصَدِيدٍ وَغَسَّاقٍ مِمَّا يَسِيلُ مِنْ فُرُوجِهِمْ وَعُيُونِهِمْ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ حَدَّثَنَا بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو أخبرني عبيد الله بْنُ بُسْرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «يُقَرَّبُ- يَعْنِي إِلَى أَهْلِ النَّارِ- مَاءٌ فَيَتَكَرَّهُهُ فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ فِيهِ فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ» «٢».
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَعْفَرٍ وَهَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ إِذَا جَاعَ أَهْلُ النَّارِ اسْتَغَاثُوا بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ فَأَكَلُوا مِنْهَا فَاخْتَلَسَتْ جُلُودَ وُجُوهِهِمْ فَلَوْ أَنَّ مَارًّا يَمُرُّ بِهِمْ يَعْرِفُهُمْ لَعَرَفَ وُجُوهِهِمْ فِيهَا ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهِمُ الْعَطَشَ فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ وَهُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ فَإِذَا أَدْنَوْهُ مِنْ أَفْوَاهِهِمُ اشْتَوَى مِنْ حَرِّهِ لُحُومُ وُجُوهِهِمُ الَّتِي قَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا الْجُلُودُ وَيُصْهَرُ مَا فِي بُطُونِهِمْ فَيَمْشُونَ تَسِيلُ أَمْعَاؤُهُمْ وَتَتَسَاقَطُ جُلُودُهُمْ ثُمَّ يُضْرَبُونَ بِمَقَامِعَ مِنْ حَدِيدٍ فَيَسْقُطُ كُلُّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ يَدْعُونَ بالثبور.
وقوله عز وجل: ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ أَيْ ثُمَّ إِنَّ مَرَدَّهُمْ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ لَإِلَى نَارٍ تَتَأَجَّجُ وَجَحِيمٍ تَتَوَقَّدُ وَسَعِيرٍ تَتَوَهَّجُ فَتَارَةً فِي هَذَا وَتَارَةً فِي هَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [الرَّحْمَنِ: ٤٤] هَكَذَا تَلَا قَتَادَةُ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ «٣» وَهُوَ تَفْسِيرٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ، وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي قراءة عبد الله رضي الله عنه «ثُمَّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ» «٤» وَكَانَ عَبْدُ الله رضي الله عنه يَقُولُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقِيلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الْفُرْقَانِ: ٢٤] وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ مَيَسَرَةَ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقِيلَ هَؤُلَاءِ وَيَقِيلَ هَؤُلَاءِ قَالَ سُفْيَانُ أَرَاهُ ثُمَّ قَرَأَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان: ٢٤] ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ قُلْتُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ تَكُونُ ثم عاطفة لخبر على خبر. وقوله تعالى: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ أَيْ إِنَّمَا جَازَيْنَاهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا آبَاءَهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ فَاتَّبَعُوهُمْ فِيهَا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، وَلِهَذَا قَالَ: فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ قَالَ مُجَاهِدٌ شَبِيهَةٌ بِالْهَرْوَلَةِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جبير يسفهون.

(١) تفسير الطبري ١٠/ ٤٩٥.
(٢) أخرجه الترمذي في صفة جهنم باب ٤، وأحمد في المسند ٥/ ٢٦٥.
(٣) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٤٩٥.
(٤) تفسير الطبري ١٠/ ٤٩٥، بلفظ: «ثم إنّ منقلبهم لإلى الجحيم». وانظر أيضا الدر المنثور ٥/ ٥٢٣. [.....]

صفحة رقم 18
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية