
والأجْدَاثُ: القُبُور، يقال جَدَثٌ وَجَدَفٌ.
ومعنى: ﴿يَنسِلُونَ﴾: يخرجون سراعاً. والنَّسَلاَنُ: الإسراع في المشي.
وقال الحسن في الآية: وثب القوم من قبورهم لمَّا سمعوا الصرخة ينفضون التراب عن رؤوسهم يقول المؤمنون: سبحانك ويحمدك وما عبدناك حق عبادتك.
قال وهب بن منبه: (يبلون) في قبورهم، فإذا سمعوا الصرخة عادت الأرواح إلى الأبدان، والمفاصل بعضها إلى بعض، فإذا سمعوا النفخة الثانية، وثب القوم قياماً على أرجلهم ينفضون التراب عن رؤوسهم.
(قوله تعالى ذكره): ﴿قَالُواْ ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا﴾ إلى/ قوله: ﴿بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾.
أي: يقول ذكل المشركون إذا نُفِخَ في الصَّورِ نفخة البعث.

قال أُبَيٌّ بن كعب: ناموا نومة قبل البعث. وكذلك قال قتادة.
قال مجاهد: يهجع الكفار قبل يوم القيامة هجعة يذوقون فيها النوم، فإذا قامت القيامة قالوا: ﴿قَالُواْ ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا﴾.
ثم قال: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن﴾.
قال قتادة: قال لهم أهل الهدى: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون﴾.
وقال مجاهد: قال ذللك لهم المؤمنون (المرسلون).
وقال ابن زيد: هو من قول بعضهم لبعض، صدقوا الرسل لما عاينوا ما أخبروهم به من البعث بعد الموت.
وقال الفراء: هو من قول الملائكة لهم.
وهذا القول موافق لقول قتادة، لأن الملائكة أهل هدى. وكذلك يتأول قوله:

﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ/ وَعَمِلُواْ الصالحات أولئك هُمْ خَيْرُ البرية﴾ [البينة: ٧].
وكذلك الحديث: " المُؤْمِنُ عِنْدَ الله خَيْرٌ مِنْ كُلِّ مَا خَلَقَ " وهو قول القتبي.
والوقف على " مَرْقَدِنَا " إجماع إلا ما حكى أحمد بن جعفر أنه يوقف على " هذا "، ثم يتبدئ: ﴿مَا وَعَدَ الرحمن﴾، أي: بعثكم ما وعد الرحمن.
وقرأ ابن عباس: " مِنْ بَعْثِنَا " بكسر الميم وخفض البعث.
فالوقف على ﴿ياويلنا﴾ جائز إلا على هذه القراءة لأن من متعلقة بما قبلها.

ثم قال تعالى: ﴿إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ أي: قد حضروا للعرض على الله. وقد تقدم ذكر هذا.
ثم قال (تعالى): ﴿فاليوم لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ﴾ لا يُنْقَصُ من أجرها ولا يُحْمَل عليها وزر غيرها.
﴿وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ولا تكافؤون إلا مكافأة أعمالكم في الدنيا.
ثم قال (تعالى): ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الجنة اليوم فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾.
قال مجاهد: شغلهم افتضاض (الأبكار).
[وقال ابن مسعود: افتضاض العذارى].
وهو قول ابن المسيب.

وقال أبو قِلابة: بينما الرجل من أهل الجنة مع أهل إذ قيل له تحول إلى أهلك.
وقيل: " فِي شُغْلٍ " في نعمة.
وقيل: في شغل عما فيه أهل النار.
والشُّغْلُ والشُّغُلُ لغتان كالبُخْلُ والبُخُلُ.
وقرأ أبو جعفر: (فَكِهُونَ).
وهو عند الفراء مثل فاكهين في المعنى كَحَذِرٍ وحَاذِرٍ.
وقال أبو زيد: رجل فَكِهٌ إذا كان طيب النفس ضَحُوكاً.

وقال قتادة: " فكهون " معجبون.
قال ابن عباس: " فاكهون " فرحون.
وقال بعض أهل اللغة: الفاكه الكثير الفاكهة، وكذلك تَامِرٌ وَلاَ حِمٌ وَشَاحِمٌ إذا كثر ذلك عنده.
وقرأ طلحة بن مُصَرِّف: " فَاكِهِينَ " بالنصب على الحال، وجعل في شغل الخير.
ثم قال: ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ﴾ يعني أزواجهم من أهل.
وظلال جمع ظُلُةٍ كقُلَّةٍ وَقِلاَلٍ، ويجوز أن يكون جمع ظِل.
ومن قرأ " ظُلَلٍ " جعله أيضاً جمع ظُلَّة. كغُرفة وغُرَف، وظلْمَةٍ وظُلَمٍ، وَحُلَّةٍ وَحُلَلٍ.

وقوله: ﴿عَلَى الأرآئك﴾ أي: على السُّرُرِ في الحجال، واحدها أريكة.
وقيلأ: (كل) فراش أريكة.
والقول الأول هو قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة.
قال أبو إسحاق: ﴿الأرآئك﴾ الفرش في الحجال، (وقيل الفرش)، وقيل: الأسرة. واختار أن تكون الفرش كانت في حجال أو فيغير حجال.
وقيل: الأرائك أسرة الذهب مكللة بالزَّبَرْجَدِ والدُّرِّ واليَاقُوتِ.
والأريكة الواحدة مثل ما بين صَنْعَاءَ إلى أَيْلَةَ، وليس في الجنة نوم، إنما هو

الاتكاء عليها.
ثم قال: ﴿لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ﴾ أي: يتمنون، ويدعون: يفتعلون من دعا، و " ما " في موضع رفع بالابتداء، و " لهم " الخبر.
ثم قال: ﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ سلام بدل من " ما "، ومعناه: ولهم أن يسلم الله عليهم، وذلك غاية أمنيتهم.
ويجوز أن تكون " ما " نكرة، " وسلام " نعت لها، بمعنى مسلم لهم.
ويجوز أن يكون " سلام " خبراً عن " ما ".
وفي حرف ابن مسعود: " سَلاَماً "، نصب على المصدر أو في موضع الحال بمعنى مسلماً لهم. " وقولاً " مصدر، أي: يقولونه قولاً يوم القيامة، أو يقوله الله لهم قولاً.

قال محمد بن كعب القرظي لعمر بن عبد العزيز: إذا فَرَغَ الله (من) أهل الجنة وأهل النار، أقبل في ظل من الغمام والملائكة إلى أول درجة، فيسلم عليهم فيردون السلام/، وهو في القرآن ﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾، فيقول: اسألوا، فيقولون: ما نسألك وعزتك وجلالك لو أنك قسمت بيننا أرزاق الثقلين لأطعمناهم وسقيانهم وكسوناهم، (فيقول: سلوني)، فيقولون: نسألك رضاك، فيقول: رضائي أَحَلَّكُمْ دَارَ كَرَامَتِي. فيفعل ذلك بأهل كل درجة. قال: ولو أن امرأة من الحُورِ تَطَلَّعَتْ لأَهْلِ الأرض لأطفأ ضوء سِوَارِهَا الشمس والقمر، فكيف بِالمُسَوَّرَةِ.
وأجاز أبو حاتم الوقف على: " سلام " وهو لا يجوز، لأن الجملة التي قبل قَوْلٍ عملت فيه فقامت مقام العامل.
ثم قال (تعالى) " ﴿وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون﴾ (أي): اعتزلوا وانفردوا

أيها الكافرون عن المؤمنون.
قال قتادة: عزلوا عن كل خير.
وروى محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة: أن النبي ﷺ قال: " إذا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أَمَرَ الله جَلَّ ذِكرُهُ جَهَنّمَ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ سَاطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ يَقُولُ/: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابنيءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعبدوني هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً﴾ إلى قوله: ﴿كُنتُمْ] تُوعَدُونَ﴾ ثم يقول: ﴿وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون﴾، فَيَتَميَّزُ النَّاسُ ويَحْثُونَ، وهو قوله (تعالى ذكره):
﴿وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾ (كُلُّ أُمَّةٍ) ﴿تدعى إلى كِتَابِهَا﴾ [الجاثية: ٢٨].
وقوله: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ﴾ أي: (ثم قال): ألم أوصيكم وآمركم في الدنيا ألا تطعيوا الشيطان في المعاصي، وأعلمتكم أنه لكم عدو مبين، وأنه أخرج أبويكم من

الجنة لِعَدَاوَتِهِ لَهُمَا.
ثم قال: ﴿وَأَنِ اعبدوني﴾ أي: ألم أعهد إليكم أن اعبدوني وأخلصوا العبادة لي.
﴿هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ أي: عبادتكم إياي خالصاً هو الصراط المستقيم.
ثم قال (تعالى): ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً﴾ أي: أضل الشيطان منكم خلقاً كثيراً فأطاعوه، وجِبِلاًّ بكسر الجيم، والتشديد جمع جِبِلَّة.
و (من) قرأ بضم الجيم والباء والتخفيف جعله جمع جَبِيلٍ كَسَبِيلٍ وَسُبُلٍ.
وَجَبِيلٍ معدول عن مَجْبُولٍ كَجَريحٍ بمعنى مَجْرُوحٍ.
وكذلك قراءة من أسكن الباء وضم الجيم وخفف، إنما أراد الضم ولكن أسكن استخفافاً.