
٣٣ - ثم وعظ كفار مكة أن يتفكروا في صنعه ليعرفوا توحيده، فقال: (١) ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا﴾ إلى قوله: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ﴾. واختلفوا في الكناية في قوله: ﴿ثَمَرِهِ﴾. فقال أبو عبيدة: (العرب تذكر الإثنين ثم تقتصر على الخبر عن أحدهما، كقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا﴾.
وقال الأزرق بن طرفة بن العَمرَّد (٢):
رماني بأمر كنت منه ووالدي | بري ومن أجل الطوي رماني |
٣٤ - ﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ﴾ تقديره: وفجرنا فيها ماء من العيون.
٣٥ - ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ﴾ لأن الثمار لا تكون إلا من الماء وبالماء.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ يجوز أن تكون (٤) ما موصولة
(٢) لم أقف له على ترجمة.
والبيت من الطويل، مختلف في نسبته، فالأكثر ينسبه لعمر بن أحمر وهو في "ديوانه" ص ١٨٧، "الدرر" ٢/ ٦٢، "الكتاب" ١/ ٧٥، ونسبه أبو عبيدة لطرفة بن العمرَّد كما في "مجاز القرآن" ٢/ ١٦١، وله أو لابن أحمر كما في "اللسان" ١١/ ١٣٢ (حول). وهو غير منسوب في "المصون من الأدب" ص ٨٤.
والشاهد فيه: حذف خبر كان، والتقدير: كنت منه بريئًا، وعليه فبريئًا الموجود خبر لكان المحذوفة مع اسمها.
ومعنى رماني: أي قذفني بأمر أكرهه، والطوي: هي البئر المطوية بالحجارة. "الكتاب" ١/ ٧٥.
(٣) "مجاز القرآن" ٢/ ١٦١.
(٤) في (أ): (يكون).

بمعنى الذي، ويكون في موضع خفض (١) عطفًا على التمر: ليأكلوا من ثمره ومما عملت أيديهم. وهذا معنى قول ابن عباس؛ لأنه قال: يريد من الغروس، يعني أن الغروس من عمل أيدينا (٢).
قال صاحب النظم: المعنى ويأكلوا بما عملت أيديهم بالمقاساة بالحراثة كما قال -عز وجل-: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ﴾ [الواقعة: ٦٣] فأضاف الحراثة إليهم. وعلى هذا العائد من الصلة إلى الموصول محذوف على قول (٣) من قرأ: عملت بغير هاء، وأكثر ما جاء في التنزيل من هذا على حذف كقوله: ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ و ﴿وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ و ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ و ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾. وكل هذا على إرادة الهاء وحذفها، وقد جاء الإثبات في قوله: ﴿إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ ويكون هذا كقول (٤) من قرأ: عملته بالهاء، في أنه ردَّ الكناية من الصلة إلى الموصول. ويجوز أن يكون في قوله: ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ نفيًا على معنى: ليأكلوا من ثمره ولم تعمله أيديهم ولكن من فعلنا.
وقال الضحاك: أي وجدوها معمولة ولا صنع لهم فيها (٥).
قال الفراء: (إذا جعلت (ما) جحدًا لم تجعل لها موضعًا، ويكون
(٢) انظر:: "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٤٩٢، "القرطبى" ١٥/ ٢٥، "ابن كثير" ٣/ ٥٧٠.
(٣) في (أ): (قوله)، وهو خطأ.
(٤) في (أ): (كقوله)، وهو خطأ.
(٥) انظر: "الماوردي" ٥/ ١٦، "البغوي" ٤/ ١٢،"مجمع البيان" ٨/ ٦٦١.