
فمعناه: وما كل إلا جميع. ومن قرأ بالتخفيف فما زائدة ومؤكدة. والمعنى وإن كل لجميع لدينا محضرون. يعني: يوم القيامة محضرون عندنا، ثم وعظهم كي يعتبروا من صنعه، فيعرفوا توحيده:
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥)
قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ يعني: علامة وحدانيته الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها يعني:
الأرض اليابسة أحييناها بالمطر لتنبت وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا يعني: الحبوب كلها فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنا فِيها يعني: وخلقنا في الأرض جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ يعني: البساتين، والكروم وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ يعني: أجرينا في الأرض الأنهار تخرج من العيون لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ يعني: من الثمرات وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ يعني: لم تعمل أيديهم. ويقال: والذي عملت أيديهم مما يزرعون أَفَلا يَشْكُرُونَ رب هذه النعم فيوحدوه. وقرأ حمزة والكسائي ثَمَرِهِ بالضم. وقرأ الباقون: بالنصب. والثَّمر بالنصب، جماعة الثمرة. والثمرات جمع الجمع وهو بالضم. وقرأ الباقون: بالنصب. والثَّمر بالنصب، جماعة الثمرة. والثمرات جمع الجمع وهو الثمر، مثل كتاب وكتب. والثُّمر بالضم جمع الثمار. قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر: وَما عَمِلَتْ بغير هاء. وقرأ الباقون: بالهاء. ومعناهما واحد.
ثم قال: أَفَلا يَشْكُرُونَ اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به الأمر، يعني: اشكروا رب هذه النعم ووحدوه.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٣٦ الى ٤٠]
سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)
ثم قال عز وجل: سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها يعني: تنزيهاً لله عز وجل الذي

خلق الأصناف كلها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ يعني: ألواناً من النبات والثمار. ففي كل شيء خلق الله تعالى دليلاً على وحدانيته تعالى وربوبيته وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ يعني: خلق من جنسهم أصناف الذكر والأنثى، وألواناً مختلفة وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ يعني: وخلق من الخلق ما لا يعلمون، وهذا كقوله: وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [النحل: ٨].
ثم ذكر لهم دلالة أخرى ليعتبروا بها، فقال عز وجل: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ يعني: علامة وحدانيته الليل نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ يعني: نخرج ونميز منه النهار فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ يعني:
داخلون في الظلمة. ويقال: يبقون في الظلمة. ويقال: إن الله خلق الدنيا مظلمة.
ثم قال: وَالشَّمْسُ سراجاً، فإذا طلعت الشمس، صارت الدنيا مضيئة. وإذا غربت الشمس، بقيت الظلمة. كما كانت، وهو قوله تعالى: نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ يعني: ننزع الضوء منه فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ يعني: يبقون في الظلمة. ويقال: نسلخ الليل. يعني: نخرج منه النهار إخراجاً لا يبقى منه شيء من ضوء النهار، كما نسلخ الليل من النَّهَار، فكذلك نسلخ النهار من الليل. فكأنه يقول: الليل نسلخ منه النهار. والنهار نسلخ منه الليل، فاكتفى بذكر أحدهما، لأن في الكلام دليلاً. وقد ذكر في آية أخرى قال: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر: ٥].
ثم قال عز وجل: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها قال مقاتل: يعني: لوقت لها. وقال الكلبي: تسير في منازلها حتى تنتهي إلى مستقرها، ولا تتجاوزها. ثم ترجع إلى أول منازلها.
وقال القتبي: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها يعني: إلى مستقر لها. ومستقرها أقصى منازلها في الغروب. وذلك لأنها لا تزال تتقدم في كل ليلة، حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها، ثم ترجع فذلك مستقرها، لأنها لا تجاوزها. وطريق آخر ما روى عن أبي ذر الغفاري- رضي الله عنه- قال: كنت جالساً مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم عند غروب الشمس، فقال: «يا أبَا ذَرَ أَتَدْرِي أيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنَّهَا تَغْربُ، وَتَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، وَتَسْتَأْذِن فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أنْ تَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لَهَا، حَتَّى تَسْتَشْفِعَ، وَتَطْلُبَ، فَإذا طَالَ عَلَيْهَا، قيلَ لَهَا: اطلعي مَكَانَكِ، فذلك قوله: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها قال: مُسْتَقَرُّها تَحْتَ العَرْشِ».
ثم قال: ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ العزيز بالنقمة، العليم بما قدّره من أمرها، وخلقها. وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه كان يقرأ: والشّمس تجري لا مستقرّ لَهَا يعني: لا تقف، ولا تستقر، ولكنها جارية أبدا.
ثم قال عز وجل: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو وَالْقَمَرَ بالضم وقرأ الباقون: بالنصب. فمن قرأ بالضم، فله وجهان. أحدهما أن يكون على الابتداء،