آيات من القرآن الكريم

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا
ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ

وقال قوم: إنما أسكن استخفافاً لأنه قد اجتمع في الكلمة ياءان: الثانية مكسورة، والكسرة مقام ياء، وبعد ذلك همزة، وهي ثقيلة، فأسكن لاجتماع هذه الثقل.
وقد خففت العرب كسرتين نحو: إِبِلٍ " " وإِطِلٍ "، فقالوا: إِبْلٍ وإِطْلٍ، وخففوا ضمتين فقالوا: " رُسُلٍ وسُبُلٍ ". فشبهوا حركة الإعراب بحركة البناء عند اجتماع كسرتين على حرفين ثقيلين قبلهما حرف ثقيل.
وقيل: إنه إنما كان يخفي الحركة وليس يسكن.
ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ﴾ أي: لا يحل مكروه الباطل وعقوبته إلاّ بمن فعله.
ثم قال: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأولين﴾ أي: سنتنا في إهلاكه الأمم الماضية على كفرهم.
﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَبْدِيلاً﴾ أي: لا تجد يا محمد لعادة الله في إهلاك الكفار تغييراً.
﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَحْوِيلاً﴾ أي: انتقالاً: بل ينتفقم منهم، وينزل عليهم سخطه، فإن أمهلهم وأملى لهم فلا بد من عادة الله فيهم بالانتقام كما مضت فيمن كان قبلهم من الأمم.
قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض﴾ إلى آخر السورة.

صفحة رقم 5993

أي: أولم يسر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد في الأرض، فينظروا عاقبة الأمم الذين كذبوا الرسل من قبلهم، فيتعظوا ويزدجروا عن إنكارهم لنبوتك وتكذيبك فيما جئتهم به، ويخافوا أن يحل بهم مثل ما حل بأولئك الأمم من العقوبات.
والمعنى: أنهم قد ساروا ونظروا لأنهم كانوا تجاراً إلى الشام، فيمرون على مدائن قوم لوط وغيرها من المدن التي أهلك الله قومها لكفرهم بالرسل، كما تقول للرجل ألم أحسن إليك؟ أي: قد أحسنت إليك.
ثم قال: ﴿وكانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ أي: وكان أولئك الأمم أشد من هؤلاء قوة في الأبدان والأموال والأولاد، فلم ينفعهم ذلكإ ذ كفروا، فأحرى أن لا ينتفع هؤلاء بقوتهم وكثرة أموالهم وأولادهم إذ هم دون أولئك.
ثم قال: ﴿قُوَّةً وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السموات وَلاَ فِي الأرض﴾ أي: لم يكن شيء يفوت الله بهرب ولا غيره، بل كان تحت قبضته فلا محيص عنه ولا مهرب في السماوات ولا في الأرض.
بل هذا وعيد وتهديد وتخويف لمن أشرك بالله وكذب محمداً عليه السلام.
ثم قال: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً﴾ أي: بخلقه وما هو كائن، ومَنِ المستحق منهم تعجيل العقوبة، ومن هو راجع عن ضلالته ممن يموت عليها. ﴿قَدِيراً﴾ أي: قادراً على جميع ذلك لا يتعذر عليه شيء.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ﴾ أي: لو عجل الله عقوبة بني آدم الآن بظلمهم لم يبق أحد إلا هلك، ولكن يؤخر عقابهم إلى وقت معلوم، وهو الأجل المسمى الذي لا يتجاوزونه ولا يتقدمون قبله.
قال قتادة: فعل الله ذلك بهم مرة في زمن نوح فأهلك ما على ظهر الأرض من

صفحة رقم 5994

دابة، إلا ما حمل نوح في السفينة.
قال أبو عبيدة: " مِنْ دَابَّةٍ " يعني الناس.
وقيل: هو الناس وغيرهم مما يدب.
قال ابن مسعود، كاد الجُعَلُ يعذب بذنب بني آدم ثم تلا: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس﴾ الآية.
وذكر ابن وهب عن الليث بن سعد أنه قال: إن رجلاً زنى بامرأة في عهد (موسى) عليه السلام فمات في تلك الليلة لذنبهما مائة ألف من بني إسرائيل، فدل الله هارون على مكانهما فاتنظمهما بحربة، ثم أقبل بهما على بني إسرائيل، وأقبل الدم حتى إذا دنا من يد هارون استدار حتى عاد كالترس ولم يصب الدم مِنْ يَدِ هارون.
ثم قال: ﴿فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً﴾ أي: إذا جاء وقتهم فهو تعالى بصير بمن يستحق العقوبة ومن يستوجب الكرامة.

صفحة رقم 5995
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية