
﴿والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير﴾ ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن الكتاب هو القرآن، ومعنى الإرث انتقال الحكم إليهم. الثاني: أن إرث الكتاب هو الإيمان بالكتب السالفة لأن حقيقة الإرث انتقال الشيء من قوم إلى قوم.
صفحة رقم 472
وفي ﴿الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبادِنَا﴾ ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم الأنبياء، حكاه ابن عيسى. الثاني: أنهم بنو إسرائيل لقوله عز وجل: ﴿إنَّ اللَّهَ اصْطَفَىءَادَمَ وَنُوحاً﴾ [آل عمران: ٣٣] الآية. قاله ابن بحر. الثالث: أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قاله الكلبي. ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن قوله: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾ كلام مبتدأ لا يرجع إلى المصطفين، وهذا قول من تأول المصطفين الأنبياء، فيكون من عداهم ثلاثة أصناف على ما بينهم. الثاني: أنه راجع إلى تفصيل أحوال الذين اصطفينا، ومعنى الاصطفاء الاختيار وهذا قول من تأول المصطفين غير الأنبياء، فجعلهم ثلاثة أصناف. فأما الظالم لنفسه ها هنا ففيه خمسة أوجه: أحدها: أنهم أهل الصغائر من هذه الأمة، روى شهر بن حوشب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له. الثاني: أنهم أهل الكبائر وأصحاب المشأمة، قاله السدي. الثالث: أنهم المنافقون وهم مستثنون. الرابع: أنهم أهل الكتاب، قاله الحسن. الخامس: أنه الجاحد، قاله مجاهد. وأما المقتصد ففيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه المتوسط في الطاعات وهذا معنى حديث أبي الدرداء، روى
صفحة رقم 473
إبراهيم عن أبي صالح عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ أنه قرأ هذه الآية فقال: (أَمَّا السَّابِقُ فَيدْخُلُ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا المُقْتَصِدُ فَيُحَاسَب حِسَاباً يَسِيراً، وَأمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فِيُحْصَرُ فِي طُولِ الحِبْسِ ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنهُ) الثاني: أنهم أصحاب اليمين، قاله السدي. الثالث: أنهم أصحاب الصغائر وهو قول متأخر. الرابع: أنهم الذين اتبعوا سنن النبي ﷺ من بعده، قاله الحسن. ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنهم المقربون، قاله مجاهد. الثاني: أنهم المستكثرون من طاعة الله تعالى، وهو مأثور. الثالث: أنهم أهل المنزلة العليا في الطاعات، قاله علي بن عيسى. الرابع: أنه من مضى على عهد رسول الله ﷺ فشهد له بالجنة. روى عقبة بن صهبان قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن هذه الآية فقالت: كلهم من أهل الجنة، السابق من مضى على عهد رسول الله ﷺ فشهد له بالحياة والرزق، والمقتصد من اتبع أثره حتى لحق به، والظالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتبعنا.
صفحة رقم 474