آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ

أخرج البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فو الله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية».
٥- آية إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ: هذه آية القراء العالمين بكتاب الله العاملين بما فيه، الذين يقيمون صلاة الفرض والنفل، وينفقون مما رزقهم الله سرا وعلانية، هؤلاء هم الذين يبتغون تحصيل الثواب من الله على طاعاتهم، ويزيدهم الله من فضله، والزيادة هي الشفاعة في الآخرة، إن الله عند إعطاء الأجور غفور للذنوب، وعند إعطاء الزيادة شكور يقبل القليل من العمل الخالص، ويثيب عليه الجزيل من الثواب.
وقوله: يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ إشارة إلى الإخلاص، أي ينفقون لا ليقال: إنه كريم، ولا لشيء من الأشياء غير وجه الله تعالى.
تصديق القرآن لما تقدمه وأنواع ورثته وجزاء المؤمنين
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٣١ الى ٣٥]
وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥)

صفحة رقم 263

الإعراب:
مُصَدِّقاً حال مؤكدة لأن الحق لا ينفك عن هذا التصديق.
ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذلِكَ: مبتدأ، والْفَضْلُ: خبره، وهُوَ:
ضمير فصل بين المبتدأ والخبر. والْكَبِيرُ: صفة الخبر، ويصح القول: ذلِكَ مبتدأ أول، وهُوَ مبتدأ ثان، والْفَضْلُ خبر المبتدأ الثاني، والجملة منهما خبر المبتدأ الأول.
جَنَّاتُ عَدْنٍ إما مبتدأ، ويَدْخُلُونَها الخبر، أو بدل من قوله: الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو جنات. ويُحَلَّوْنَ خبر ثان أو حال مقدرة.
مِنْ أَساوِرَ جمع أسورة، وهذا جمع سوار. ولُؤْلُؤاً معطوف على محل: مِنْ أَساوِرَ.
الَّذِي أَحَلَّنا.. الَّذِي في موضع نصب صفة اسم «إن» في قوله تعالى: إِنَّ رَبَّنا ويصح جعله في موضع الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو الذي، أو خبر بعد خبر، أو بدل من ضمير شَكُورٌ.
البلاغة:
لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ، وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ إطناب بتكرار الفعل، للمبالغة في انتفاء كل من النصب واللغوب.
المفردات اللغوية:
مِنَ الْكِتابِ القرآن، ومِنَ للتبيين. لِما بَيْنَ يَدَيْهِ تقدمه من الكتب.
لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ عالم بالبواطن والظواهر. ثُمَّ أَوْرَثْنَا أعطيناه وقضينا وقدرنا. الْكِتابَ القرآن. الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا اخترناهم، وهم علماء الأمة الإسلامية من الصحابة ومن بعدهم. ظالِمٌ لِنَفْسِهِ بالتقصير في العمل به، والظلم: تجاوز الحدود. مُقْتَصِدٌ متوسط يعمل به في أغلب الأوقات. سابِقٌ بِالْخَيْراتِ يضم إلى العلم والتعليم، والإرشاد إلى العمل.
وسابِقٌ متقدم إلى ثواب الله، وبِالْخَيْراتِ أي بسبب عمل الخيرات والأعمال الصالحة.
بِإِذْنِ اللَّهِ بإرادته وتوفيقه. ذلِكَ توريثهم الكتاب والاصطفاء، وقيل: السبق إلى الخيرات.
جَنَّاتُ عَدْنٍ إقامة. أَساوِرَ جمع أسورة: وهي حلية تلبس في اليد. الْحَزَنَ الخوف من مخاطر المستقبل. لَغَفُورٌ للذنوب. شَكُورٌ للطاعة.

صفحة رقم 264

دارَ الْمُقامَةِ أي دار الإقامة الدائمة وهي الجنة. نَصَبٌ تعب. لُغُوبٌ إعياء من التعب أو كلال، ونفيهما جميعا للدلالة على الاستقلال، ولعدم التكليف في الجنة.
سبب النزول: نزول الآية (٣٥) :
الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ:
أخرج البيهقي وابن أبي حاتم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: «قال رجل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إن النوم مما يقرّ الله به أعيننا في الدنيا، فهل في الجنة من نوم؟ قال: لا، إن النوم شريك الموت، وليس في الجنة موت، قال: فما راحتهم؟ فأعظم ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال: ليس فيها لغوب، كل أمرهم راحة، فنزلت: لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ، وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ».
المناسبة:
بعد بيان الأصل الأول في العقيدة، وهو وجود الله الواحد، وإثباته بأنواع الأدلة، وهي: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ ذكر الأصل الثاني وهو الرسالة، فقال: وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ.
ولما بيّن الله تعالى في الآية السابقة ثواب تلاوة كتاب الله، أكد ذلك وقرره بأن هذا الكتاب حق وصدق، فتاليه محق ومستحق لهذا الثواب، وهو مصدق لما تقدمه من الكتب السابقة، ثم قسم ورثته ثلاثة أنواع، ثم أوضح جزاء العاملين به في الآخرة.
التفسير والبيان:
يبين الله تعالى مكانة القرآن ومهمته بين الكتب السماوية فقال:
وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، إِنَّ اللَّهَ

صفحة رقم 265

بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ
أي إن الذي أوحينا إليك به يا محمد وهو القرآن هو الحق الثابت الدائم، المصدق والموافق لما تقدمه من الكتب السماوية السابقة، إن الله محيط بجميع أمور عباده، يعلم أحوالها الباطنة والظاهرة، يشرع لهم من الشرائع والأحكام المناسبة لكل زمان ومكان، وقد أنزله على محمد صلّى الله عليه وسلّم خاتم النبيين والمرسلين، لما اقتضت حكمته وعدله.
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا، فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ أي ثم قضينا وقدرنا بتوريث هذا القرآن من اخترنا من عبادنا، وهم يا محمد علماء أمتك من الصحابة فمن بعدهم، التي هي خير الأمم بنص الآية: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران ٣/ ١١٠] وجعلناهم أقساما ثلاثة:
١- الظالم لنفسه: بتجاوز الحد، وهو المفرط في فعل بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرمات.
٢- المقتصد: المتوسط المؤدي للواجبات، التارك للمحرمات، لكنه قد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات.
٣- السابق بالخيرات بإذن الله: وهو الذي يفعل الواجبات والمستحبات، ويترك المحرمات والمكروهات وبعض المباحات. وهذا خير الثلاثة، الذي سبق غيره في أمور الدين.
ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ أي توريث الكتاب والاصطفاء فضل عظيم من الله تعالى.
ثم أبان الله تعالى جزاء المؤمنين السابقين بغير حساب والمقتصدين بحساب يسير، والظالمين إن رحموا، فقال:

صفحة رقم 266

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها، يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً، وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ أي يدخل هؤلاء المصطفون جميعا جنات الإقامة الدائمة يوم المعاد، التي يحلّون فيها أساور من ذهب مرصع باللؤلؤ، ويكون لباسهم حريرا خالصا، وقد أباحه الله تعالى لهم في الآخرة، بعد أن كان محظورا عليهم في الدنيا.
ثبت في الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من لبس الحرير في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة» وقال: «هي لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة».
وعلى هذا تكون الآية عامة في جميع الأقسام الثلاثة في هذه الأمة، والعلماء أغبط الناس بهذه النعمة، وأولى الناس بهذه الرحمة.
أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن قيس بن كثير قال: قدم رجل من أهل المدينة إلى أبي الدرداء رضي الله عنه، وهو بدمشق، فقال:
ما أقدمك أي أخي؟ قال: حديث بلغني أنك تحدّث به عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: أما قدمت لتجارة؟ قال: لا، قال: أما قدمت لحاجة؟ قال: لا، قال: أما قدمت إلا في طلب هذا الحديث؟ قال: نعم، قال رضي الله عنه:
فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«من سلك طريقا يطلب فيها علما، سلك الله تعالى به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإنه ليستغفر للعالم من في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب. إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورّثوا العلم، فمن أخذ به، أخذ بحظّ وافر».
وَقالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ أي وقالوا حين استقروا في مأواهم جنات عدن: الحمد والشكر والثناء على الله الذي أزال عنا الخوف من المحذور، وأراحنا من هموم الدنيا والآخرة، إن ربنا صاحب الفضل والرحمة والسعة، فهو غفور لذنوب عباده، شكور لطاعتهم.

صفحة رقم 267

روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في الموت، ولا في القبور، ولا في النشور، وكأني أنظر إليهم عند الصيحة ينفضون رؤوسهم من التراب يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ، إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ».
قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: غفر لهم الكثير من السيئات، وشكر لهم اليسير من الحسنات.
ثم حمدوه أيضا على نعمة البقاء والاستقرار في الجنة والراحة فيها، فقال:
الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ، لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ، وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ أي يقولون: الذي أعطانا هذه المنزلة، وهذا المقام الذي لا تحول عنه من فضله ومنّه ورحمته، لم تكن أعمالنا تساوي ذلك، كما
ثبت في الصحيح لدى مسلم وأبي داود عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمة منه وفضل»
ولا نتعرض فيها لتعب ولا إعياء، لا في الأبدان ولا في الأرواح إذ إنهم دأبوا على العبادة في الدنيا، فصاروا في راحة دائمة مستمرة، كما قال تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ [الحاقة ٦٩/ ٢٤].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- القرآن الكريم هو الحق الصدق الثابت الذي لا شك فيه، وهو الموافق والمصدق لأصول الكتب السماوية السابقة في صورتها الصحيحة قبل التحريف والتبديل لأن الله أعلم بما يحقق الحكمة والمصلحة والعدل.
٢- علماء الأمة الإسلامية من الصحابة فمن بعدهم ممن اختارهم الله ورثوا

صفحة رقم 268
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية