آيات من القرآن الكريم

لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ
ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ

وهذا كثير جدا وتغني كثرته عن التمثيل «١».
حيث ينطوي في كل هذا تساوق مع ما انطوى في سياق الجملة التي نحن في صددها، وتدعيم للتقرير الذي قررناه في مداها، والتلقين الخطير المستمر الذي ينطوي فيها.
وهناك أحاديث نبوية صحيحة عديدة فيها تنويه بالعلم وحثّ عليه وتنويه بالعلماء وفضلهم ومسؤولياتهم، يصح أن يساق في هذا المقام، من ذلك حديث رواه البخاري ومسلم عن معاوية أن النبي ﷺ قال «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدّين». وحديث رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة جاء فيه «ومن سلك طريقا يلتمس فيها علما سهل الله له طريقا إلى الجنة» وحديث رواه أبو داود والترمذي عن رسول الله ﷺ قال «وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم. وإنّ العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض. وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء. إن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما وإنما ورّثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظّ وافر» «٢».
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٢٩ الى ٣٥]
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣)
وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥)

(١) اقرأ مثلا: آيات الرعد [٢ و ٣] والنحل [١١ و ١٢] والنمل [٥٩- ٦٥] والروم [٢١- ٢٥].
(٢) انظر التاج ج ١ ص ٥٣- ٥٤ وهناك أحاديث أخرى في هذه الصفحات فاكتفينا بما أوردناه.

صفحة رقم 123

(١) لن تبور: لن تكسد.
(٢) ظالم لنفسه: جان ومجرم في حق نفسه ومهلكها بإثمه وكفره وعصيانه.
(٣) مقتصد: كناية عن الذين يكتفون باليسير من الطاعات ولا يجتهدون فيها اجتهادا كبيرا.
(٤) الحزن: هنا بمعنى خوف العاقبة وشرّ المصير.
(٥) دار المقامة: دار الإقامة والخلود.
(٦) نصب ولغوب: النصب بمعنى التعب بفتح النون وضمها. واللغوب بمعنى الإعياء من التعب.
عبارة الآيات واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وهي متصلة بالسياق كما هو المتبادر وصلتها بالآية السابقة لها خاصة واضحة في التناسب بين العلماء وبين الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا، فكأنّما جاءت لتنوّه بالعلماء الذين هم جديرون بخوف الله، وتذكر أعمالهم الناتجة عن ذلك.
والآيات قوية نافذة فيما احتوته من تنويه وبشرى، من شأنهما أن يستوليا على النفس ويغمراها بأقوى الاغتباط ويدفعاها إلى التزام الفضائل.
ومما يتبادر أن تكون الآيتان الأولى والثانية في صدد وصف الذين استجابوا للدعوة النبوية واستغرقوا في واجباتهم نحو الله. وبهذا يمكن أن يقوى معنى التسلية الذي نبهنا إليه في سياق الآيات السابقة ويتأيد.
كذلك فإن في الآية [٣١] هدفا ملحوظا في التسلية والتثبيت حيث احتوت توكيدا موجها إلى النبي ﷺ أن ما أنزل إليه من الكتاب هو الحق وهو مصدّق لما قبله من كتب منزلة ومتطابق معها. وفي هذا ما يطمئن نفسه ويجعله لا يعبأ بمواقف

صفحة رقم 124

المكذبين والجاحدين، ويكل أمرهم إلى الله الذي هو الخبير البصير بعباده، القادر على مقابلتهم بما يستحقون.
تعليق على جملة أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا وتلقينها
وأكثر المفسرين على أن جملة أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا تعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جملة ظالِمٌ لِنَفْسِهِ تحتمل أن يكون المقصود بها المنافق أو الذي لم يستجب إلى الدعوة أو الذي اجترح السيئات من المسلمين.
وأن جملة مُقْتَصِدٌ تعني الذي لا يجتهد اجتهادا كبيرا في الطاعات والأعمال الصالحة، ويكتفي باليسير منها. وأن جملة سابِقٌ بِالْخَيْراتِ هم أقوياء الإيمان المجتهدون اجتهادا كبيرا في الطاعات والأعمال الصالحة. وقال بعض المفسرين إن الطبقات الثلاث هي نفس ما عنتها آيات سورة الواقعة وهي وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. وأن المقتصدين هم أصحاب الميمنة، الذين هم يدخلون الجنة وتكون درجتهم دون درجة السابقين. وأن أصحاب المشأمة هم الكفار «١». وروح الآيات تلهم رجحان قول من قال: إن تعبير ظالِمٌ لِنَفْسِهِ يعني المسلمين الذين يجترحون السيئات لأن جملة الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا تشملهم جميعا كما هو المتبادر. ولقد ذكر وَالَّذِينَ كَفَرُوا في الآية [٣٦] التي تأتي بعد هذه الآيات حيث ينطوي في ذلك قرينة على صحة ما قلناه وضرورة استبعاد (الكافرين) بالنسبة لجملة فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ.
وهناك أحاديث يرويها المفسرون مؤيدة لهذا أيضا. منها حديث يرويه الطبري بطرقه عن أبي الدرداء قال «سمعت رسول الله ﷺ يذكر هذه الآية فيقول فأما السابق بالخيرات فيدخلها بغير حساب، وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا. وأما الظالم نفسه فيصيبه في ذلك المكان من الغمّ والحزن فذلك قوله حكاية على

(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والبغوي والطبرسي والخازن.

صفحة رقم 125

لسان السابقين الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [٣٤]. وقد روى البغوي هذا الحديث بفرق في آخره وهو «وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام حتى يدخله الهمّ، ثم يدخل الجنة فيقول الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور». ومنها حديث يرويه الطبري بطرقه عن أبي سعيد الخدري قال: «إن النبي ﷺ تلا هذه الآية فقال هؤلاء كلهم في الجنة». وحديث يرويه البغوي وابن كثير عن أسامة بن زيد قال: «تلا رسول الله الآية فقال كلهم من هذه الأمة».
وحديث يرويه البغوي عن أبي عثمان النهدي قال: «سمعت عمر بن الخطاب قرأ على المنبر هذه الآية فقال: قال رسول الله ﷺ سابقنا سابق ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له».
ويلحظ أن مصير الظالم لنفسه ومصير المقتصد ظل مسكوتا عنهما في الآيات. ويتبادر إلى الذهن أن حكمة ذلك قصد تركيز الثناء والتنويه بالسابقين في الخيرات، وإفهام الناس وبخاصة المسلمين أنه لا ينبغي لمسلم أن يكون مقتصدا في القيام بواجباته نحو الله والناس، فضلا عن أنه لا يجوز لمسلم أن يجترح السيئات، وأن الخير كل الخير والفضل كل الفضل في السابقين في الخيرات الذين يجتهدون في القيام بواجباتهم على أحسن وجه وأوسعه وأفضله. وفي هذا ما فيه من تلقين جليل مستمر المدى.
على أن في شمول جملة الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا للصنفين الآخرين على ما ذكرنا وذكره غيرنا من المفسرين استلهاما من فحوى الآية يظل الباب مفتوحا لهما، لكيفّ الظالم لنفسه عن سيئاته ويتوب إلى الله تعالى، ويبدل المقتصد خطته، ويبذل الصنفان جهدهما للّحوق بالسابقين. والبشرى والتنويه اللذان انطويا في الآية بالنسبة للسابقين مما يثير في الصنفين ذلك. ولعل ذلك مما استهدفته الجملة القرآنية.
وجملة ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا تنطوي على تنويه عظيم بالأمة الإسلامية، وأذان بأنها قد استقر عليها الاصطفاء، وإرث كتاب الله

صفحة رقم 126
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية