
والأجنحة في العالم المادي تساعد على الطيران، وكثرتها تومئ إلى السرعة، وهى فى عالم الأرواح ترشد إلى القدرة على السرعة في تنفيذ أوامر الله وتبليغ رسالات ربهم إلى أنبيائه.
وفي هذا إيماء إلى أن الملائكة تتفاوت أقدارهم وقواهم عند الله تعالى بحسب استعدادهم الروحي.
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود «أن النبي صلّى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح»
وفي هذا رمز إلى قوة استعداده الروحي وقربه من الملأ الأعلى وسرعة تنفيذه ما يؤمر به.
(يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) أي يزيد في خلق الأجنحة ما يشاء، كما يزيد في أرجل الحيوان ما يشاء حتى لقد تبلغ فوق العشرين أحيانا، وهكذا يزيد في تفاوت العقول والنفوس والقوى المادية والمعنوية كما قيل:
والناس ألف منهم كواحد | وواحد كالألف إن أمر عنا |
(إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيزيد كل ما هو أهل للزيادة وما هو مستعد لها، حسية كانت أو معنوية، فلا يمتنع عليه فعل شىء أراده، لما له من القدرة والسلطان على كل شىء.
[سورة فاطر (٣٥) : آية ٢]
ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢)
تفسير المفردات
يفتح: يعطى، ورحمة: أي نعمة حسية كانت أو معنوية، كرزق وصحة وأمن وعلم وحكمة، إلى نحو ذلك مما لا يحاط به. صفحة رقم 104

المعنى الجملي
بعد أن وصف سبحانه نفسه بالقدرة الكاملة والإرادة النافذة- أيد ذلك بما يشاهده كل أحد في نفسه من الضيق حينا والسعة حينا آخر، مع العجز عن دفع البؤس إن وجد، وجلب النعمة لو أراد.
الإيضاح
مفاتيح الخير ومغاليقه كلها بيده سبحانه، فما يعط من خير فلا يستطيع أحد منه ولا إمساكه، وأي خير يمسكه فلا يبسطه ولا يفتحه لهم فاتح، لأن الأمور كلها بيده، ومنه البذل والعطاء، والمنع والإمساك.
وهو الغالب على كل ما يشاء من الأمور التي منها الفتح والإمساك، وهو الحكيم الذي يفعل كل ما يفعل بحسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
وفي الآية عظة للناس بالإقبال إلى ربهم والتوجه إليه في قضاء حاجهم، والتوكل عليه في جميع مآربهم، والإعراض عما سواه من جميع خلقه.
ونحو الآية قوله: «وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ».
روى أحمد عن المغيرة بن شعبة أنه قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول إذا انصرف من الصلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ».
وروى مسلم عن أبى سعيد الخدرىّ رضى الله عنه قال: «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء والأرض، وملء ما شئت من شىء بعد، اللهم أهل الثناء والمجد،