
تَلْبَسُونَها يعني: تستعملونها، وتلبسون نساءكم. وهذا المثل لأصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم مع الكفار يعني: وما يستوي الذين صدقوا والذين كذبوا. ومن كل يظهر شيء من الصلاح يعني: يلد الكافر المسلم مثل ما أولد الوليد بن المغيرة خالد بن الوليد، وأبو جهل عكرمة بن أبي جهل.
قوله: وَتَرَى الْفُلْكَ يعني: السفن مَواخِرَ يعني: تذهب وتجيء فِيهِ يعني: في البحر لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يعني: من رزقه وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ يعني: لكي تشكروا رب هذه النعمة. يقال في اللغة مخر يمخر إذا شقّ الماء. يعني: أن السفينة تشق الماء في حال جريها.
يقال: مخرت السفينة إذا جرت وشقت الماء في جريها.
ثم قال عز وجل: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وقد ذكرناه وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يعني: ذلّل الشمس والقمر لبني آدم. كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يعني: إلى أقصى منازلها في الغروب، لأنها تغرب كل ليلة في موضع. وهو قوله عز وجل: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ [المعارج: ٣٠] ويقال: إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى يعني: يجريان دائماً إلى يوم القيامة ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ يعني: هذا الذي فعل لكم هذا الفعل هو ربكم وخالقكم لَهُ الْمُلْكُ فاعرفوا توحيده، وادعوه ولا تدعوا غيره وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ يعني: من دون الله الأوثان وما يعبدونهم مِن دُونِ الله مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ يعني: لا يقدرون أن يعطوكم ولا ينفعوكم بمقدار القطمير. والقطمير قشر النواة الأبيض الذي يكون بين النوى والتمر. وقال مجاهد:
القطمير لفاف النوى.
ثم قال: إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ يعني: ولو كانوا بحال يسمعون أيضاً فلا يجيبونكم، ولا يكشفون عنكم شيئاً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ يعني: يتبرؤون من عبادتكم. ويقولون: مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ.
يقول الله تعالى لمحمد صلّى الله عليه وسلم: وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ يعني: لا يخبرك من عمل الآخرة مثل الرب تبارك وتعالى. ويقال: لا يخبرك أحد مثل الرب بأن هذا الذي ذكر عن الأصنام أنهم يتبرؤون عن عبادتهم.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ١٥ الى ٢٦]
يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (١٨) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩)
وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦)

ثم قال عز وجل: يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ يعني: أنتم محتاجون إلى ما عنده. ويقال: أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ في رزقه ومغفرته وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ الْغَنِيُّ عن عبادتكم الْحَمِيدُ في فعله وسلطانه. وهذا كما قال في آية أخرى: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ [محمد: ٣٨] لأن كل واحد يحتاج إليه. لأن أحداً لا يقدر أن يصلح أمره إلا بالأعوان، والأمير ما لم يكن له خدم وأعوان، لا يقدر على الإمارة. وكذلك التاجر يحتاج إلى المكارين، والله عز وجل غني عن الأعوانِ وغيره.
ثم قال عز وجل: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ يعني: يهلككم ويميتكم وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ أفضل منكم وأطوع لله وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ يعني: شديد وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى يعني: لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى. ويقال: لا تحمل بالطوع ولكن يحمل عليها إذا كان له خصماً.
ثم قال: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها يعني: الذي أثقلته الذنوب والأوزار، إن لو دعا أحداً، ليحمل عنه بعض أوزاره، لا يحمل من وزره شيئاً. وإن كان ذا قرابة لا يحمل من وزره. وروى إبراهيم بن الحكم عن أبيه، عن عكرمة قال: إن الوالد يتعلق بولده يوم القيامة فيقول: يا بني إني كنت لك والداً فيثني عليه خيراً. فيقول: يا بني قد احتجت إلى مثقال ذرة.
وفي رواية أخرى: إلى مثقال حبة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى. فيقول له ولده: ما أيسر ما طلبت ولكن لا أطيق. إني أخاف مثل الذي تخوفت. ثم يتعلق بزوجته فيقول لها: إني كنت لك زوجاً في الدنيا فيثني عليها خيراً ويقول: إني طلبت إليك حسنة واحدة لعلي أنجو بها مما ترين. فتقول: ما أيسر ما طلبت، ولكن لا أطيق. إني أخاف مثل الذي تخوفت فذلك قوله: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى.
ثم قال: إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ يعني: إنما تخوف بالقرآن الذين يخافون ربهم بالغيب. يعني: آمنوا بالله وهم في غيب منه وَأَقامُوا الصَّلاةَ يعني: يقيمون