
سورة سبأ
أخبرنا ابن المقرئ عن ابن مطيرة عن إبراهيم بن شريك عن أحمد بن يونس عن سلام بن سليم عن هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة سبأ لم يبق نبي ولا رسول إلّا كان يوم القيامة له رفيقا ومصافحا»
[٣٠] «١».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ١ الى ٩]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩)
قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ وهو الوصف بالجميل على جهة التعظيم الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ كما هو له في الدنيا لأنّ النعم كلها في الدارين منه، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.
قوله: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ يدخل ويغيب فيها من الماء والموادّ والحيوانات، وَما يَخْرُجُ مِنْها

من النبات، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ من الأمطار، وَما يَعْرُجُ يصعد فِيها:
من الملائكة وأعمال العباد، وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ الساعة، ثم عاد جلّ جلاله إلى تمجيده والثناء على نفسه، فقال عز من قائل: عالِمِ الْغَيْبِ، اختلف القراء فيها، فقرأ يحيى والأعمش وحمزة والكسائي: (علّام الغيب) بخفض الميم على وزن فعال، وهي قراءة عبد الله وأصحابه. قال الفراء: وكذلك رأيتها في مصحف عبد الله (علّام).
وقرأ أهل مكة والبصرة وعاصم بجر الميم على مثال فاعل ردا على قوله، وهي اختيار أبي عبيد فيه، وفي أمثاله يؤثر النعوت على الابتداء.
وقرأ الآخرون (عالمُ) رفعا بالاستئناف إذ حال بينهما كلام.
لا يَعْزُبُ يغيب ويبتعد عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ: وزن نملة، وهذا مثل لأنه سبحانه لا يخفى عليه ما هو دون الذرة. فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ... لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ. وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا عملوا في إبطال أدلّتنا والتكذيب بكتابنا مُعاجِزِينَ: مسابقين يحسبون أنهم يفوتوننا.
قال ابن زيد: جاهدين، وقرأ: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ «١».
أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ، قرأ ابن كثير ويعقوب وعاصم برواية حفص والمفضل أَلِيمٌ بالرفع على نعت ال (عذاب). غيرهم بالخفض على نعت ال (رجز). قال قتادة: الرجز أسوأ العذاب، ومثله في الجاثية «٢» وَيَرَى يعني: وليرى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعني: مؤمني أهل الكتاب: عبد الله بن سلام وأصحابه، وقال قتادة: هم أصحاب محمد (عليه السلام).
الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني: القرآن هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي يعني: القرآن إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ وهو الإسلام.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا منكرين للبعث متعجبين منه: هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ:
يخبركم، يعنون: محمدا (عليه السلام) إِذا مُزِّقْتُمْ: قطعتم وفرقتم كُلَّ مُمَزَّقٍ وصرتم رفاتا إِنَّكُمْ بالكسر على الابتداء والحكاية، مجازة يقول لكم: إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ.
أَفْتَرى ألف الاستفهام دخلت على ألف الوصل لذلك نصب عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ: جنون؟ قال الله تعالى: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ
(٢) يعني قوله تعالى: (لهم عذاب من رجز أليم) سورة الجاثية: ١١.