
قوله: ﴿مَسْكَنِهِمْ﴾ : قرأ حمزةٌ وحفصٌ «مَسْكَنِهم» بفتح الكاف مفرداً، والكسائيُّ كذلك، إلاَّ أنه كسرَ الكافَ، والباقون «مَساكِنِهم» جمعاً. فأمَّا الإِفرادُ فلِعَدَمِ اللَّبْسِ؛ لأن المرادَ الجمعُ، كقولِه:
٣٧٣٥ - كُلوا في بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعِفُّوا | .............................. |

أبو الحسن: «كسرُ الكافِ لغةٌ فاشيةٌ، وهي لغةُ الناسِ اليومَ، والكسرُ لغةُ الحجازِ». وهي قليلةٌ. وقال الفراء: «هي لغةٌ يمانِيَّةٌ فصيحة». و «مَسْكَنِهِمْ» يُحْتمل أَنْ يرادَ به المكانُ، وأَنْ يُرادَ به المصدرُ أي: السُّكْنى. ورجَّحَ بعضُهم الثاني قال: لأنَّ المصدرَ يشملُ الكلَّ فليس فيه وَضْعُ مفردٍ مَوْضِعَ جمع بخلافِ الأول؛ فإنَّ فيه وَضْعَ المفرد مَوْضِعَ الجمعِ كما قَرَّرْتُه، لكنَّ سيبويه يَأْباه إلاَّ ضرورةً كقولِه:
٣٧٣٦ -............................. | قد عضَّ أعناقَهم جِلْدُ الجَواميسِ |
قوله: «جَنَّتان» فيه ثلاثةُ أوجهٍ: الرفعُ على البدلِ من «آيةٌ» وأبدلَ مثنَّى مِنْ مفرد؛ لأنَّ هذا المفردَ يَصْدُقُ على هذا المثنى. وتقدَّم في قولِه: ﴿وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ الثاني: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ. وضَعَّفَ ابنُ عطيةَ الأولَ ولم يُبَيِّنْه. ولا يَظْهَرُ ضَعْفُه بل قوتُه، وكأنه توهَّمَ أنهما مختلفان إفراداً وتثنية؛ فلذلك ضَعُفَ البدلُ عنده. واللَّهُ أعلمُ. الثالث: - وإليه نحا ابن عطية - أَنْ يكونَ «جَنَّتان» مبتدأً، وخبرُه ﴿عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾. ورَدَّه صفحة رقم 170

الشيخُ: بأنه ابتداءُ نكرةٍ مِنْ غيرِ مُسَوِّغٍ. واعتذر عنه: بأنَّه قد يُعْتَقَدُ حَذْفُ صفةٍ أي: جنتان لهم، أو جنتان عظيمتان [إنْ] صَحَّ ما ذهبَ إليه.
وقرأ ابنُ أبي عبلة «جَنَّتَيْن» بالياءِ نصباً على خبرِ كان، واسمُها «آية». فإنْ قيل: اسمُ «كان» كالمبتدأ، / ولا مُسَوِّغَ للابتداء به حتى يُجْعَلَ اسم كان. والجوابُ أنه تخصَّصَ بالحالِ المقدَّمَةِ عليه، وهي صفتُه في الأصل. ألا ترى أنه لو تأخَّر «لسبأ» لكان صفةً ل «آيةٌ» في هذه القراءةِ.
قوله: «عن يمينٍ» إمَّا صفةٌ ل «جَنَّتان» أو خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هما عن يمين.
قوله: «كُلُوا» على إضمارِ القولِ أي: قال الله أو المَلَكُ.
قوله: «بَلْدَةٌ» أي: بَلْدَتُكُمْ بَلْدَةٌ، وربُّكم ربٌّ غفورٌ. وقرأ رُوَيْس بنصب «بَلْدَة ورَب» على المدحِ، أو اسكنوا واعبدوا. وجعله أبو البقاء مفعولاً به، والعامِلُ فيه «اشكروا» وفيه نظرٌ؛ إذ يَصيرُ التقدير: اشكروا لربِّكم رَبَّا غفوراً.