
عليه السلام- معَ مَا جَعَلَ الله له من ذلكَ كان يُسَوِّي بينهن في القَسْمِ تَطْيِيباً لنفُوسِهنَّ وأخْذاً بالفَضْلِ، وما خصه الله من الخَلق العظيم- صلى الله عليه وعلى آله- غير أن سودة وهبت يومها لعائشة تقمّنا لمسرّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥٢ الى ٥٥]
لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (٥٣) إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤) لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥)
وقوله تعالى: لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ قيل كما قدمنا: إنها حظَرَتْ عليه النساءَ إلا التسْعَ وما عُطِفَ عَليهِنَّ على ما تقدم لابن عباس وغيره، قال ابن عباس وقتادة:
جَازَاهُنَّ الله بذلك لما اخترنَ الله وَرسوله «١»، ومن قال: بأن الإباحَةَ كانتْ له مُطْلَقَةً قَال هنا: لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ معناه: لا يحل لك اليهودياتُ ولا النصرانياتُ، ولا ينبغي أن يكنَّ أمهاتِ المؤمنين ورُوِيَ هذَا عَن مجاهدَ «٢» وكذلك قَدَّرَ: ولا أن تبدل اليهودياتِ والنصرانياتِ بالمسلماتِ وهو قول أبي رزين وابن جبير «٣» وفيه بُعْدٌ.
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ هذهِ الآيةُ تُضمنتُ قِصَّتَيْنِ: إحداهما: الأدبُ في أمر الطعام والجلوس، والثانية: أمر الحجاب.
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠/ ٣١٨) (٢٨٥٨٩)، وذكره البغوي (٣/ ٥٣٨)، وابن عطية (٤/ ٣٩٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٣٩٩)، وعزاه لسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٣) ذكره ابن عطية (٤/ ٣٩٤).

قال الجمهور: سببها أن النّبي صلى الله عليه وسلّم لما تزوَّج زَيْنبَ بِنْتَ جَحْشٍ، أَوْ لَمْ عَلَيْها ودَعَا النَّاسَ، فَلَمَّا طَعِمُوا، قَعَدَ نَفَرٌ فِي طَائِفَةٍ مِنَ البَيْتِ يَتَحَدَّثُونَ، فَثَقُلَ عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلّم مَكَانُهُمْ، فَخَرَجَ لِيَخْرُجُوا بِخُرُوجِهِ، وَمَرَّ على حِجْرِ نِسَائِهِ، ثُمَّ عَادَ فَوَجَدَهُمْ فِي مَكَانِهِمْ، وَزَيْنَبُ في البيت معهم، فلمّا دخل وراءهم انْصَرَفَ، فَخَرَجُوا عِنْدَ ذَلِكَ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَأُعْلِمَ أَوْ «١» أَعْلَمْتُهُ بانصرافهم، فَجَاءَ، فَلَمَّا وَصَلَ الحُجْرَةَ، أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَدَخَلَ، وَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ بِسَبَبِ ذَلِكَ «٢».
قال إسماعيل بن أبي حكيم: هذا أدب أَدَّبَ الله به الثُّقَلاء، وَقَالَتْ عَائِشَةُ وجماعةٌ:
سبب الحجاب: كلام عمر للنبي صلى الله عليه وسلّم مرارا في أن يحجب نساءه «٣»، وناظِرِينَ معناه:
منتظرين، وإِناهُ: مصدر «أنى» الشيءَ يَأْنِي أنيْ، إذا فَرَغَ وحَانَ، ولفظُ البخاري: يُقَال:
إناه: إدراكُه أنى يأنى إناءة، انتهى.
وقوله تعالى: وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ معناه: لا يقع منه تركُ الحق، ولما كان ذلك يقعُ من البشر لِعلةِ الاسْتِحياءِ نَفَى عنه تعالى العلةَ الموجِبةَ لذلكَ في البشر، وعن ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ثَلاَثٌ لاَ يحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ لاَ يؤمّ رجل قوما ٧٦ ب فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ فَإنْ فَعَلَ، فَقَدْ خَانهُمْ، وَلاَ يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ/ قَبْلَ أنْ يَسْتَأْذِنَ فَإنْ فَعَلَ، فَقَدْ خَانَ، وَلاَ يُصَلِّي وَهُوَ حَاقِنٌ حتى يَتَخَفَّفُ» «٤». رواه أبو داود
(٢) أخرجه البخاري (٨/ ٣٨٧) كتاب التفسير: باب لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، حديث (٤٧٩١، ٤٧٩٢، ٤٧٩٣، ٤٧٩٤)، وفي (٩/ ١٣٤) كتاب النكاح: باب الهدية للعروس، حديث (٥١٦٣)، وفي (٩/ ١٣٧- ١٣٨) كتاب النكاح: باب الوليمة حق، حديث (٥١٦٦)، وفي (١١/ ٢٤) كتاب الاستئذان: باب آية الحجاب، حديث (٦٢٣٨، ٦٢٣٩)، ومسلم (٢/ ١٠٥٠- ١٠٥٢) كتاب النكاح: باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب، حديث (٩٣، ٩٤/ ١٤٢٨)، والنسائي في «التفسير» (٤٤٠)، والطبريّ في «تفسيره» (١٠/ ٣٢٣- ٣٢٤) رقم (٢٨٦٠٥- ٢٨٦٠٨)، والبيهقي (٧/ ٨٧) كتاب النكاح: باب سبب نزول آية الحجاب، كلهم من حديث أنس.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٤٠١)، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
(٣) أخرجه الطبريّ (١٠/ ٣٢٦) (٢٨٦١٩)، وذكره البغوي (٣/ ٥٤٠)، وابن عطية (٤/ ٣٩٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٥٠٥١٣) بنحوه، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٤٠٣)، وعزاه لابن جرير عن عائشة رضي الله عنها بنحوه.
(٤) أخرجه أبو داود (١/ ٧٠) كتاب الطهارة: باب أيصلي الرجل وهو حاقن، حديث (٩٠)، والترمذيّ (٢/ ١٨٩) كتاب الصلاة: باب ما جاء في كراهية أن يخص الإمام نفسه بالدعاء، حديث (٣٥٧)، وابن ماجه (١/ ٢٠٢) كتاب الطهارة: باب ما جاء في النهي للحاقن أن يصلي، حديث (٦١٩)، وأحمد (٥/ ٢٨٠) -[.....]