
[الجزء الثامن]
سورة الأحزابمدنية، وهي خمسة آلاف وسبعمائة وتسعون حرفا، وألف ومائتان وثمانون كلمة، وثلاث وسبعون آية.
أخبرني محمد بن القاسم بن أحمد بقراءتي عليه قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن جعفر قال: أخبرني أبو عمرو الحميري وعمرو بن عبد الله البصري قالا: قال محمد بن عبد الوهاب العبدي، عن أحمد بن عبد الله بن يونس، عن سلام بن سليم، عن هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن [أبي أمامة] عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه: «من قرأ سورة الأحزاب وعلّمها أهله وما ملكت يمينه أعطي الأمان من عذاب القبر» [١] «١».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ١ الى ٥]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٣) ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤)ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥)
قوله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ الآية
نزلت في أبي سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وأبي الأعور عمرو بن [أبي] سفيان السلمي، وذلك أنّهم قدموا المدينة فنزلوا على عبد الله بن أبي رأس المنافقين بعد قتال أحد، وقد أعطاهم النبيّ صلّى الله عليه الأمان على أن يكلّموه، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق، فقال للنبيّ صلّى الله عليه وسلم وعنده عمر ابن الخطّاب: ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزّى ومنات وقل: إنّ لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها وندعك وربّك، فشقّ على النبي صلّى الله عليه قولهم، فقال عمر بن الخطّاب: ائذن لنا يا رسول

الله في قتلهم، فقال النبي (عليه السلام) :«إنّي قد أعطيتهم الأمان» [٢]، فقال عمر بن الخطّاب: اخرجوا في لعنة الله وغضبه، فأمر النبيّ صلّى الله عليه عمر أن يخرجهم من المدينة فأنزل الله عزّ وجلّ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ] «١» [٣].
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ من أهل مكّة يعني أبا سفيان وأبا الأعور وعكرمة وَالْمُنافِقِينَ عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعد وطعمة بن أبيرق.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً. وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً بالياء. أبو عمرو، وغيره بالتاء.
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا
أخبرني ابن فنجويه، عن موسى بن علي [عن الحسن ابن علويه]، عن إسماعيل بن عيسى، عن المسيب، عن شيخ من أهل الشام قال: قدم على رسول الله صلّى الله عليه وفد من ثقيف فطلبوا إليه أن [يمتعهم] باللات والعزّى سنة وقالوا:
لتعلم قريش منزلتنا منك، فهمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم بذلك «٢»، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ الآيات.
قوله: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ نزلت في أبي معمر جميل [بن معمر] بن حبيب بن عبد الله الفهري، وكان رجلا لبيبا حافظا لما يسمع، فقالت قريش: ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلّا وله قلبان. وكان يقول: إنّ لي قلبين أعقل بكلّ واحد منهما أفضل من عقل محمّد، فلمّا كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم يومئذ أبو معمر تلقّاه أبو سفيان بن حرب، وهو معلّق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله، فقال له: يا أبا معمر ما حال الناس؟ قال: انهزموا، قال: فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك، فقال له أبو معمر: ما شعرت إلّا أنّهما في رجلي، فعرفوا يومئذ أنّه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده «٣».
وقال الزهري ومقاتل: هذا مثل ضربه الله للمظاهر من امرأته، وللمتبنّي ولد غيره، يقول:
فكما لا يكون لرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمّه حتى يكون له أمّان، ولا يكون ولد أحد ابن رجلين.
قوله: وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي قرأ أبو جعفر وأبو عمر وورش اللَّاء بغير مدّ ولا همز، ممدودة مهموزة بلا ياء، نافع غير ورش وأيّوب ويعقوب والأعرج، وأنشد:
(٢) معاذ للنبي صلّى الله عليه وسلم أن يهمّ بذلك، إما لأنه لا ينطق عن الهوى، وإما لأنه ينافي التوحيد فكيف يرضى بعبادة غير الله تعالى.
(٣) مجمع البيان: ٨/ ١١٧.

من اللّاء لم يحججن يبغين حسبة | ولكن ليقتلن البريء المغفّلا «١» |
قال أبو عمرو: هذا منكر لأنّ المظاهرة من التعاون والآية نزلت في أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم أخي عبادة، وفي امرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك يقول الله تعالى: ما جعل نساءكم اللاتي تقولون: هنّ علينا كظهور أمّهاتنا في الحرام كما تقولون، ولكنّها منكم معصية وفيها كفّارة وأزواجكم لكم حلال، وسنذكر القصّة والحكم في سورة المجادلة إن شاء الله.
قوله: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ يعني من تبنّيتموه أَبْناءَكُمْ
نزلت في زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي من بني عبد ودّ، كان عبدا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فأعتقه وتبنّاه قبل الوحي، وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطّلب في الإسلام، فجعل الفقير أخا للغني ليعود عليه، فلمّا تزوّج النبي صلّى الله عليه زينب بنت جحش الأسدي وكانت تحت زيد بن حارثة، فقالت اليهود والمنافقون: تزوج محمّد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عنها، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآيات
وقال: ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ ولا حقيقة له، يعني قولهم: زيد ابن محمّد وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ الذين ولدوهم هُوَ أَقْسَطُ أعدل عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ أي فهم إخوانكم فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ إن كانوا محرريكم وليسوا ببنيكم.
أنبأني عقيل بن محمد الجرجاني، عن المعافى بن زكريا، عن محمد بن جرير قال: حدّثني يعقوب بن إبراهيم، عن ابن علية عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: قال أبو بكر: قال الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ فأنا ممّن لا يعرف أبوه، وأنا من إخوانكم في الدين. قال: قال أبي إنّي لأظنّه لو علم أنّ أباه كان حمارا لانتمى إليه وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ قبل النهي، فنسبتموه إلى غير أبيه، وقال قتادة: يعني أن تدعوه لغير أبيه وهو يرى أنّه كذلك وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ فنسبتموه إلى غير أبيه بعد النهي، وأنتم تعلمون أنّه ليس بابنه. ومحلّ ما في قوله: ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ خفض ردّا على (ما) التي في قوله: فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ ومجازه: ولكن في ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً
قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «من ادّعى إلى غير أبيه أو إلى غير أهل نعمته فعليه لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» [٤] «٢».
(٢) صحيح مسلم: ٤/ ١١٥ بتفاوت، سنن ابن ماجة: ٢/ ٩٠٥، سنن أبي داود: ٢/ ٥٠٢.