آيات من القرآن الكريم

مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ

فالسبب فِي ذَلِكَ أَنَّ أبا سفيان بن حَرْب وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السّلمىّ قدموا إلى «١» المدينة، فنزلوا عَلَى عبد الله بن أُبيّ بن سَلُول ونظرائه من المنافقين، فسألوا رسول الله أشياء يكرهها، فهمّ بهم المسلمون فنزل (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) فِي نقض العهد لأنه كانت بينهم موادَعة فأُمِرَ بأَلَّا «٢» ينقض العهد (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) من أهل مكّة (وَالْمُنافِقِينَ) من أهل المدينة فيما سألوكَ.
وقوله: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [٤] إنّما جرى ذكر هَذَا لرجل كَانَ يُقال لَهُ جميل بن أوس ويكنى أبا معمرٍ. وَكَانَ حافظًا للحديث كثيرهُ، فكان أهل مكة يقولون: لَهُ قلبان وعقلان من حفظه فانهزم يوم بدر، فمَرّ بأبي سفيان وهو فِي العير، فقال: ما حالُ الناس يا أبا معمر؟ قَالَ: بين مقتول وهارب. قَالَ: فما بالُ إحدى نعليك فِي رجلك والأخرى فِي يدك؟
قَالَ: لقد ظننت أنهما جَميعًا فِي رِجْليّ فعلم كذبهم فِي قولهم: لَهُ قلبانِ. ثُمَّ ضم إِلَيْهِ (وَما جَعَلَ).
وقوله: وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ [٤] أي هَذَا باطل كما أن قولكم فِي جَميل باطل. إِذَا قَالَ الرجل: امرأته عَلَيْهِ كظهر أمه فليس كذلك، وَفِيهِ من الكفارة ما جعل الله. وقوله (تُظاهِرُونَ) خفيفة قرأها يَحْيَى «٣» بن وثاب. وقرأها الْحَسَن (تُظَهِّرُونَ) مشدّدةً بغير ألفٍ. وقرأها أهل المدينة (تَظَّهَّرُونَ) بنصب «٤» التاء، وكلّ صَوَاب معناه متقارب العرب تقول: عقّبت «٥» وعاقبت «٦»، (عَقَّدْتُمُ «٧» الْأَيْمانَ) و (عاقدتم) (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ «٨» )

(١) سقط فى ا.
(٢) ا: «ألا».
(٣) المعروف أن هذه قراءة عاصم. أما ابن وثاب فإنه قرأ- فيما نقل ابن عطية- بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء مضارع أظهر، وفيما حكى أبو بكر الرازي بتخفيف الظاء وتشديد الهاء: تظهرون: وانظر البحر ٧/ ٢١١
(٤) سقط فى ا.
(٥، ٦) ذكر هذا الفراء عند قوله تعالى فى سورة الممتحنة: «وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ» وقد فسر هذا بأن تكون لكم العقبة أي التوبة ومعنى هذا الغنيمة.
(٧) الآية ٨٩ سورة المائدة. وقراءة (عاقدتم) لابن ذكوان عن ابن عامر.
(٨) الآية ١٨ سورة لقمان.

صفحة رقم 334

و (لا تصاعر) اللهمّ لا تراءبى «١»، وترأبّى. وقد قرأ بذلك قوم فقالوا: (يراءون «٢» ) و (يُرءُّون) مثل يُرَعُّونَ. وقد قرأ بعضهم (تَظَاهَرُونَ) وهو وجه جَيِّد لا أعرفُ «٣» إسْنَاده.
قوله: (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ).
كَانَ أهل الجاهلية إِذَا أعجب أحدهم جَلَدُ الرجل وظُرْفُه ضمَّة إلى نفسه، وَجَعَل لَهُ مثل نصيب ذكر من ولده من ميراثه. وكانوا ينسبونَ إليهم، فيُقال: فلان بن فلان للذي أقطعه إِلَيْهِ. فقال الله (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ). وهو باطل (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ) غير ما قُلتم.
ثُمَّ أمرهم فقال: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ [٥] أي انسبُوهم إلى آبائِهم. وقوله (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ) فانسبوهم إلى «٤» نسبة مواليكم الَّذِينَ لا تعرفونَ آباءهم: فلان بن عبد الله، بن عبد الرحمن ونحوه.
وقوله: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) فيما لم تقصدوا له من الخطأ، إنما الإثم فيما تعمَّدتم. وقوله (وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (ما) فِي موضع خفض مردودة عَلَى (ما) التي مع الخطأ.
وقوله: (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) وَفِي قراءة عبد الله أو أُبي (النَّبِيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لَهُم)، وكذلك كل نبي. وجرى ذَلِكَ لأن المسلمين كانوا متواخين «٥»، وَكَانَ الرجل إِذَا مات عَن أخيه الَّذِي آخاهُ وَرِثه «٦» دون عصبته وقرابته فأنزل الله (النَّبِيُّ أَوْلى) من المسلمين بِهذه المنزلة، وليس يرثهم، فكيف يرث المؤاخي أخاه! وأنزل (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) فى الميراث (فِي كِتابِ اللَّهِ) أي ذَلِكَ فِي اللوح المحفوظ عند الله.
وقوله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ). إن شئت جعلت (من) دخلت ل (أولى) بعضهم أولى ببعض

(١) أي لا تنكل بي. ومعناه: لا تر عدوى ما يشمت به. ذكر هذا المعنى فى الأساس تفسيرا لقولهم أرى الله بفلان.
(٢) الآية ١٤٣ سورة النساء والآية ٦ سورة الماعون.
(٣) قرأ بذلك حمزة والكسائي وخلف. [.....]
(٤) كذا. والأولى حذف هذا الحرف.
(٥) أصله: «متآخيين» فسهل الهمزة.
(٦) أي ورثه أخوه. وقد يكون «ورثه» من التوريث فيكون الفعل للميت.

صفحة رقم 335
معاني القرآن للفراء
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء
تحقيق
أحمد يوسف نجاتي
الناشر
دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية