آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ

زيد للنبي ﷺ خلق زينب وانها لا تطيعه وأعلمه بأنه يريد طلاقها قال له رسول الله ﷺ على جهة الأدب والوصية: اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك وهذا هو الذي أخفي في نفسه وخشي رسول الله أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد وهو مولاه لو أمره بطلاقها فعاتبه الله على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله تعالى وأعلمه أن الله أحق بالخشية».
وقال الأستاذ الإمام محمد عبده: «أما والله لولا ما أدخل الضعفاء والمدلسون من مثل هذه الرواية ما خطر ببال مطلع على الآية الكريمة شيء مما يرمون إليه فإن نصّ الآية ظاهر جليّ لا يحتمل معناه التأويل ولا يذهب إلى النفس منه إلا أن العتاب كان على التمهل في الأمر والتريث به وان الذي كان يخفيه في نفسه هو ذلك الأمر الإلهي الصادر إليه بأن يهدم تلك السعادة المتأصلة في نفوس العرب وأن يتناول المعول لهدمها بنفسه كما قدر له أن يهدم أصنامهم بيده لأول مرة عند فتح مكة وكما هو شأنه في جميع ما نهى عنه من عاداتهم وهذا الذي كان يخفيه في نفسه كان الله مبديه بأمره الذي أوحاه إليه في كتابه وبتزويجه زوجة من كانوا يدعونه ابنا له ولم يكن يمنعه من من إبداء ما أبدى الله إلا حياء الكريم وتؤدة الحليم مع العلم بأنه سيفعل لا محالة لكن مع معاونة الزمان».
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٣٩) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٤٠)

صفحة رقم 25

الإعراب:
(ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ) استئناف مسوق لنفي الحرج عنه ﷺ في زواجه بزينب وهي امرأة زيد الذي تبناه وما نافية وكان فعل ماض ناقص وعلى النبي خبر كان المقدم ومن حرف جر زائد وحرج مجرور لفظا منصوب محلا على أنه اسم كان المؤخر وفيما صفة لحرج وجملة فرض الله صلة لما. (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) سنة الله اسم موضوع موضع المصدر لأن السنة بمعنى الطريقة والسيرة وتأتي أيضا بمعنى الطبيعة والشريعة والوجه أو دائرته، وهذا ما جنح إليه الزمخشري في إعرابه واختار غيره أن يكون نصبا على المصدر أو على نزع الخافض أي كسنة الله في الأنبياء الذين من قبل وسيأتي مزيد من القول في هذا الصدد في باب الفوائد، وفي الذين متعلقان بمحذوف حال أي متبعة وجملة خلوا صلة الذين ومن قبل متعلقان بخلوا وكان أمر الله كان واسمها وقدرا خبرها ومقدورا صفة لازمة للتأكيد كيوم أيوم وليل أليل وظل ظليل. (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ) الذين لك أن تجعلها صفة للأنبياء أي في الأنبياء الذين خلوا من قبل والذين يبلغون رسالات الله ولك أن تقطعها فتعربها خبرا لمبتدأ محذوف أي هم الذين وجملة يبلغون صلة ورسالات الله مفعول يبلغون.

صفحة رقم 26

(وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً) ويخشونه فعل مضارع وفاعل ومفعول به ولا نافية ويخشون فعل مضارع وفاعل وإلا أداة حصر ولفظ الجلالة مفعول يخشون وكفى فعل ماض والباء حرف جر زائد والله فاعل كفى محلا وحسيبا تمييز أو حال. (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) ما نافية وكان محمد كان واسمها وأبا أحد خبرها ومن رجالكم صفة لأحد (وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) الواو عاطفة ولكن حرف استدراك مهمل لأنه خفف، ورسول الله عطف على أبا أحد أو نصب على تقدير كان لدلالة كان السابقة عليها أي ولكن كان رسول الله، وخاتم النبيين عطف على رسول الله، والخاتم هو الطابع بفتح التاء وكسرها وكان واسمها وخبرها وبكل شيء متعلقان بعليما.
البلاغة:
في قوله «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم» الآية فن التلفيف، وفي محيط المحيط: التلفيف عند البلغاء هو التناسب وهو عبارة عن إخراج الكلام مخرج التعليم بحكم أو أدب لم يرد المتكلم ذكره وإنما قصد ذكر حكم داخل في عموم الحكم المذكور الذي صرح بتعليمه، وأوضح من هذا أن يقال انه جواب عام عن نوع من أنواع جنس تدعو الحاجة إلى بيانها كلها فيعدل المجيب عن الجواب الخاص عما سئل عنه من تبيين ذلك النوع الى جواب عام يتضمن الإبانة على الحكم المسئول عنه وعن غيره مما تدعو الحاجة الى بيانه فإن قوله:
«ما كان محمد... إلخ» جواب عن سؤال مقدر وهو قول قائل:
أليس محمدا أبا زيد بن حارثة؟ فأتى الجواب يقول: ما كان محمد

صفحة رقم 27

أبا أحد من رجالكم، وكان مقتضى الجواب أن يقول: ما كان محمد أبا زيد وكان يكفي أن يقول ذلك ولكنه عدل عنه ترشيحا للإخبار بأن محمدا ﷺ خاتم النبيين ولا يتم هذا الترشيح إلا بنفي أبوته لأحد من الرجال فإنه لا يكون خاتم النبيين إلا بشرط أن لا يكون له ولد قد بلغ فلا يرد أن له الطاهر والطيب والقاسم لأنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال ثم احتاط لذلك بقوله من رجالكم فأضاف الرجال إليهم لا إليه فالتف المعنى الخاص في المعنى العام وأفاد نفي الأبوة الكلية لأحد من رجالهم وانطوى في ذلك نفي الأبوة لزيد ثم ان هناك تلفيفا آخر وهو قوله ولكن رسول الله فعدل عن لفظ نبي الى لفظة رسول لزيادة المدح لأن كل رسول نبي ولا عكس على أحد القولين فهذا تلفيف بعد تلفيف.
الفوائد:
المفعول المطلق والمصدر:
المفعول المطلق هو الحاصل بالمصدر أي الأثر لا المصدر الذي هو التأثير فإطلاق المصدر على المفعول بضرب من المسامحة وعدم التمييز بين التأثير والأثر وإيضاح ذلك أن صيغ المصادر موضوعة للأثر الحاصل بتأثير الفاعل المسمى بلفظ المصدر كما أنها موضوعة لإيقاع ذلك الأثر وإلا يلزم التجوز في كل مفعول مطلق ولا سبيل إليه لوجود أمارة الحقيقة من تبادر معناه من غير حاجة الى القرينة وفي عدم التمييز بين التأثير والأثر وإن صرح به ابن سينا نظرا لأنهما من مقولتين مختلفتين فالأول من مقولة الفعل والثاني من مقولة الانفعال وقال بعض المحققين: الاتحاد أمر موجود لكن لا ينافي الاختلاف بحسب

صفحة رقم 28
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية