
أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٣٧) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً (٣٩) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٤٠)
شرح الكلمات:
ما كان لمؤمن ولا مؤمنة: أي لا ينبغي ولا يصلح لمؤمن ولا مؤمنة.
أن يكون لهم الخيرة من أمرهم: أي حق الاختيار فيما حكم الله ورسوله فيه بالجواز أو المنع.
فقد ضل ضلالا مبيناً: أي أخطأ طريق النجاة والفلاح خطأً واضحاً.
أنعم الله عليه وأنعمت عليه: أي أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعمت عليه بالعتق وهو زيد بن حارثة.
واتق الله: أي في أمر زوجتك فلا تحاول طلاقها.
وتخفي في نفسك ما الله مبديه: أي وتخفي في نفسك وهو علمك بأنك إذا طلق زيد زينب زوجكها الله إبطالاً لما عليه الناس من حرمة الزواج من امرأة المتبنّى.
ما الله مبديه: أي مظهره حتماً وهو زواج الرسول من زينب بعد طلاقها.
وتخشى الناس: أي يقولون تزوج محمد مطلقة مولاه زيد.
والله أحق أن تخشاه: وهو الذي أراد لك ذلك الزواج.
فلما قضى زيد منها وطراً: أي حاجته منها ولم يبق له رغبة فيها لتعاليها عليه بشرف نسبها ومحتد آبائها.

زوجناكها: إذ تولى الله عقد نكاحها فدخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها بدون إذن من أحدٍ وذلك سنة خمس وأُشبع الناس لحماً وخبزاً في وليمة عرسها.
كيلا لا يكون على المؤمنين حرج: أي إثم في تزوجهم من مطلقات أدعيائهم.
وكان أمر الله مفعولا: أي وما قدره الله في اللوح المحفوظ لا بد كائن.
ولا يخشون أحداً إلا الله: أي يفعلون ما أذن لهم فيه ربهم ولا يبالون بقول الناس.
وكفى بالله حسيباً: أي حافظاً لأعمال عباده ومحاسباً لهم عليها يوم الحساب.
ما كان محمد أبا أحد من رجالكم: أي لم يكن أباً لزيد ولا لغيره من الرجال إذ مات أطفاله الذكور وهم صغار.
وخاتم النبيين: أي لم يجيء نبي بعده إذ لو جاء نبي بعده لكان ولده أهلا للنبوة كما كان أولاد إبراهيم ويعقوب، وداود مثلا.
معنى الآيات:
قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ (١) ﴾ الآيات هذا شروع في قصة زواج زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزينب بنت جحش بنت عمة النبي أميمة بنت عبد المطلب إنه لما أبطل الله التبني وحرمه بقوله ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ وقوله ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ تبع ذلك أن لا يرث الدعي ممن ادعاه، وأن لا تحرم مطلقته على من تبنّاه وادعاه وهكذا بطلت الأحكام التي كانت لازمة للتبني، وكون هذا نزل به القرآن ليس من السهل على النفوس التي اعتادت هذه الأحكام في الجاهلية وصدر الإسلام أن تتقبلها وتذعن لها بعد ليال بسهولة فأراد الله تعالى أن يخرج ذلك لحيز الوجود فألهم رسوله أن يخطب زينب لمولاه زيد، واستجابت زينت للخطبة فهماً منها أنها مخطوبة لرسول الله لتكون أماً للمؤمنين ولكن تبين لها بعد ليال أنها مخطوبة لزيد بن حارثة مولى رسول الله وليست كما فهمت وهنا أخذتها الحمية وقالت لن يكون هذا لن تتزوج شريفة مولى من موالي الناس ونصرها أخوها على ذلك وهو عبد الله بن جحش. فنزلت هذه الآية {وَمَا

كَانَ لِمُؤْمِنٍ (١) وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ (٢) مِنْ أَمْرِهِمْ} الآية فما كان منها إلا أن قبلت عن رضى الزواج من زيد وتزوجها زيد وبحكم الطباع البشرية فإن زينب لم تخف شرفها على زيد وأصبحت تترفع عليه الأمر الذي شعر معه زيد بعدم الفائدة من هذا الزواج فأخذ يستشير رسول الله مولاه ويستأذنه في طلاقها والرسول يأبى عليه وذلك علماً منه أنه إذا طلقها سيزوجه الله بها إنهاءً لقضية جعل أحكام الدعي كأحكام الولد من الصلب فكان يقول له: اتق الله يا زيد لا تطلق بغير ضرورة ولا حاجة إلى الطلاق واصبر على ما تجده من امرأتك، وهنا عاتب رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربُّه عز وجل إذ قال له: ﴿وَإِذْ (٣) تَقُولُ﴾ أي اذكر إذ تقول ﴿لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ﴾ أي بنعمة الإسلام، ﴿وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ بأن عتقته ﴿أَمْسِكْ (٤) عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي (٥) فِي نَفْسِكَ﴾ وهو أمر زواجك منها، ﴿مَا اللهُ مُبْدِيهِ﴾ أي مظهره لا محالة من ذلك ﴿وَتَخْشَى (٦) النَّاسَ﴾ أن يقولوا محمد تزوج امرأة ابنه زيد، ﴿وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ وقد أراد منك الزواج من زينب بعد طلاقها وانقضاء عدتها هدماً وقضاءً على الأحكام التي جعلت الدعي كابن الصُّلب.
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً﴾ أي حاجته منها بالزواج بها وطلقها ﴿زَوَّجْنَاكَهَا (٧) ﴾ إذ تولينا عقد نكاحها منك دون حاجة إلى ولي ولا إلى شهود ولا إلى مهر أو صداق وذلك من أجل أن لا يكون على المؤمنين حرج أي إثم في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً، وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً﴾ أي وما قضى به الله واقع لا محالة وقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ﴾ أي من إثم أو تضييق في قول أو فعل شيء افترضه الله تعالى عليه وألزمه به سنة الله في الذين خلوا من قبل من الأنبياء، وكان أمر الله أي مقضيه قدرا مقدوراً أي واقعاً نافذاً لا محالة. وقوله: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ﴾ أي
٢ - الخيرة اسم مصدر من تخيّر ومثلها الطيرة من تطير ولم يسمع على هذا الوزن غيرهما، ووقع لفظ مؤمن ومؤمنة نكرة في سياق النفي فأفادتا العموم.
٣ - روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لو كان رسول الله كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) الآية وكذا قالت في آية عبس وتولى وهو كما قالت رضي الله عنها وأرضاها.
٤ - جاء زيد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن زينب تؤذيني بلسانها وتفعل وتفعل! وإني أريد أن أطلقها فقال له: ﴿أمسك عليك زوجك واتق الله﴾ الآية.
٥ - إن قيل كيف يأمر زيداً بعدم طلاق زينب وهو يعلم أنه سيطلقها ويزوجه الله تعالى بها؟ الجواب لا حرج في هذا ألا ترى أن الله يأمر العبد بالإيمان والإسلام وهو يعلم أنه لا يؤمن، لأن الأمر لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة.
٦ - ما كان يخشاه هو إرجاف المنافقين واليهود قولهم: أينهى عن نكاح زوجة الابن ويتزوج زوجة ابنه زيد.
٧ - وري أن زينب كانت تقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني لأدل عليك بثلاث! ما من نسائك امرأة تدل بهن: أن جدي وجدك واحد، وأن الله أنكحك إياي من السماء، وأن السفير في ذلك جبريل.

هؤلاء الأنبياء السابقون طريقتهم التي سنها الله لهم هي أنهم ينفذون أمر الله ولا يلتفتون إلى الناس ويقولون ما يقولون، ويخشون ربهم فيما فرض عليهم ولا يخشون غيره، وكفى بالله حسيباً أي حافظاً لأعمال عباده ومحاسباً عليها ومجازٍ بها، وقوله تعالى في ختام السياق ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ لا زيد ولا غيره إذ لم يكن له ولد ذكر قد بلغ الحلم إذ مات الجميع صغاراً وهم أربعة ثلاثة من خديجة وهم القاسم والطيب والطاهر وإبراهيم وهو من مارية القبطية، فلذا، لا يحرم عليه أن يتزوج مطلقة زيد لأنه ليس ابنه وإن كان يدعى زيد بن محمد قبل إنهاء التبني وأحكامه ولكن رسول الله وخاتم النبيين فلا نبي بعده فلو كان له ولد ذكر رجلاً لكان يكون نبياً وسولاً كما كان أولاد إبراهيم وإسحق ويعقوب وداود، ولما أراد الله أن يختم الرسالات برسالته لم يأذن ببقاء أحد من أولاد نبيه بل توفاهم صغاراً، أما البنات فكبرن فتزوجن وأنجبن ومتن حال حياته إلا فاطمة فقد ماتت بعده بستة أشهر وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ فما أخبر به هو الحق وما حكم به هو العدل وما شرعه هو الخير فسلموا لله في قضائه وحكمه فإن ذلك خير وأنفع.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أن المؤمن الحق لا خيرة عنده في أمر يقضي فيه الله ورسوله بالجواز أو المنع.
٢- بيان أن من يعص الله ورسوله يخرج عن طريق الهداية إلى طريق الضلالة.
٣- جواز عتاب الله تعالى لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤- بيان شدة حياء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٥- بيان إكرام الله لزيد بأن جعل اسمه يقرأ على ألسنة المؤمنين إلى يوم الدين.
٦- بيان إفضال الله على زينب لما سلمت أمرها لله وتركت ما اختارته لما اختاره الله ورسوله فجعلها زوجة لرسول الله وتولى عقد نكاحها في السماء فكانت تفاخر نساءها بذلك.
٧- تقرير حديث ما ترك عبد شيئا لله إلا عوضه الله خيرا منه.
٨- إبطال أحكام التبني التي كانت في الجاهلية.
٩- تقرير نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكونه خاتم الأنبياء فلا نبي بعده.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ