آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ

وفي قوله: ﴿فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً﴾ إشارة إلى أيقاع الطلاق، وكذلك في قوله: ﴿إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً﴾.
ثم قال: ﴿وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً﴾ أي: ما قضى الله من قضاء كائناً لا محالة، ذلك ما قضى الله من تزويج النبي ﷺ من زينب بنت عمته.
وقال الشعبي: كانت زينب تقول للنبي عليه السلام: إني لأَدِلُّ عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تَدِلُّ بهن: إن جَدِّي وَجَدُّكَ وَاحِدٌ، وإنّي أنْكَحَنِكَ الله مِنَ السَّماءِ، وإنَّ السَّفِيرَ جِبْرِيلُ ﷺ.
وروى أنس بن مالك أن زيداً كان مسبباً من الشام ابتاعه حيكم بن حزام بن خويلد، فوهبه لعمته خديجة زوج النبي، فوهبته خديجة للنبي ﷺ فتبناه النبي.
قوله تعالى: ﴿مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ﴾ إلى قوله: ﴿سَرَاحاً جَمِيلاً﴾.
أي ليس على محمد ﷺ إثم في نكاح امرأة من تبناه بعد فراقه أياها.
قال قتادة: ما فرض الله له، أي ما أحل الله. وفي الكلام معنى المدح كقوله:

صفحة رقم 5842

﴿مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ﴾ [التوبة: ٩١] ثم قال: ﴿سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ﴾. انتصبت " سُنَّة " على المصدر، والفاعل فيه ما قبله لأنه بمعنى سن الله له ذلك سنَّة، والمعنى لا إثم عليه في ذلك كما لا إثم فيه على من خلا قبله من النبيين فيما أحل الله لهم.
قال الطبري في معناه: لم يكن الله لِيُؤُثِمَ نبيه فيما أحل الله له مثالَ فِعْلِه بمن قَبْلَهُ مِنَ الرسل. ثم قال: ﴿وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً﴾ أي: قضاء مقضياً. [وقيل: قَدَرُ أحَدٍ قَدَّرَهُ وَكَتَبَهُ قبل خلق الأشياء كلها مقدوراً] أي أنه ستكون الأشياء على ما تقدّم علمه. ولا تقف على: ﴿فَرَضَ الله لَهُ﴾ لأن " سنة " انتصبت على عامل قام ما قبلها مقامه.
ثم قال تعالى: ﴿الذين يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ الله وَيَخْشَوْنَهُ﴾ أي: سنة الله في الذين خلوا من قبل محمد من الرسل الذين يبلغون رسالات الله إلى من أُرْسِلوا إليه؟ ﴿وَيَخْشَوْنَهُ﴾: أي: يخافون الله.
﴿وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله﴾ أي: لا يخافون غيره، فَمِن هؤلاء فَكُن يا محمد، فإن الله يمنع منك وينصرك كما فعل بمن قبلك من الرسل.
" الذين " بدل من " الدين " في قوله: ﴿سُنَّةَ الله فِي الذين﴾ أو نعت لهم أو عطف

صفحة رقم 5843

بيان.
ثم قال: ﴿وكفى بالله حَسِيباً﴾ أي: وكفاك يا محمد حافظاً لأعمال خلقه ومحاسباً لهم عليها.
ويجوز أن يكون (حسيب) بمعنى محاسب، كما تقول آكِيلٌ وشَرِيب، معنى مُواكِل وُمَشَارِب. ويجوز أن يكون بمعنى محسب، أي مكف كما قالوا السميع بمعنى المسمع وأليم بمعنى مؤلم. يقال: أحسبني الشيء بمعنى كفاني.
ثم قال تعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ﴾ أي: لم يكن محمد أبا زيد ابن حارثة، ولا أباً لغيره لأنه لم يكن له ابن وقت نزول هذه الآية.
قال قتادة: نزلت في زيد بن حارثة أنه لم يكن بابنه، ولعمري لقد ولد له ذكور وإنه لأبو القاسم وإبراهيم والمطهر. فالمعنى على هذا: لم يكن محمد أباً لِمَنْ تَبَنَّى من رجالكم، ولكنه أبو أمته في التبجيل والتعظيم.
ثم قال تعالى: ﴿ولكن رَّسُولَ الله﴾ أي: ولكن كان رسول الله. ﴿وَخَاتَمَ النبيين﴾ أي: آخرهم. هذا على قراءة من فتح التاء. ومن كسرها فمعناها: أي طبع على النبوة فلا

صفحة رقم 5844

تفتح لأحد بعده.
روى جابر أن النبي ﷺ: " أَنَا خَاتِمُ أَلْفِ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ ". والخاتم الذي يلبس، فيه أربع لغات: خَاتَمٌ وخَاتِمٌ وخَاتَامٌ وخَيْتَامٌ.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً﴾ أي: اذكروه بقلوبكم وجوارحكم ولا تخلوا أنفسكم من ذكره في حال من أحوال طاقتكم.
ثم قال: ﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ أي: صلوا له غدوة وعشياً، يعني صلاة الصبح وصلاة العصر، والأصيل العَشِيُّ وجمعه أصائل. والأصيل بمعنى الأُصُل وجمعه آصال، هذا لفظ المبرد. وقال غيره: أُصُل عنده جمع أَصِيل كرغيف ورغف.

صفحة رقم 5845

ثم قال تعالى: ﴿هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ﴾ أي: ربكم الذي أمرتم بذكره كثيراً هو الذي يرحمكم ويثني عليكم فيشيع عنكم الذكر الجميل وملائكته تدعو لكم.
روي أنه لما نزل/: ﴿إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي﴾ [الأحزاب: ٥٦] أتاه المؤمنون يهنؤنه بذلك، فقال أبو بكر يا رسول الله: هذا لك خاصة فَمَا لَنا؟ فأنزل الله جل ذكره: ﴿هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ﴾، أي: يدعون لكم بالرحمة.
وروى الحسن أن النبي ﷺ قال في حديث طويل: " إِنَّ الله قالَ لمُوسَى: أَخْبِرْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ صَلاَتِي عَلى عِبَادِي لَتَسْبِقُ رَحْمَتِي غَضَبِي وَلَوْلاَ ذَلِكَ لأَهْلَكْتُهُمْ ".
وقال عطاء بن أبي رباح: " صلاته على عباده: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ لَتَسْبِقُ رَحْمَتِي غَضَبِ ".
وفي حديث آخر عن النبي ﷺ: " سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي ".
ثم قال: ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور﴾ أي: تدعو ملائكة الله ليخرجكم الله من

صفحة رقم 5846

الكفر إلى الإيمان. وأصل الصلاة في اللغة: الدعاء. وسمي الركوع والسجود صلاة للدعاء الذي يكون في ذلك.
وقال المبرد: أصل الصلاة الترحم، فالصلاة من الله رحمة لعباده، ومن الملائكة رقة لهم واستدعاء للرحمة من الله لهم، والصلاة من الناس سميت صلاة لطلب الرحمة بها.
قال أبو عبيدة: الأصِيلُ ما بين العصر إلى الليل: وقال: ﴿يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ﴾ أي: يبارك عليكم.
قال ابن عباس: لا يقضي الله على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال العذر، غَيرَ الذِّكر، فإن الله لم يجعل له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله.
ثم قال: ﴿وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً﴾ أي: ذا رحمة أن يعذبهم وهم له مطيعون.
﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ﴾ أي: تحية بعد هؤلاء المؤمنين في الجنة سلام، أي أمنة لنا ولكم من عذاب الله.
قال البراء بن عازب: معناه يوم يلقون ملك الموت يسلم عليهم لا يقبض

صفحة رقم 5847

روح مؤمن حتى يسلم عليه.
قال قتادة: تحية أهل الجنة السلام.
وقال البراء بن عازب في معناه: إن (ملك) الموت لا يقبض روح المؤمن/ حتى يسلم عليه.
قال الزجاج: هذا في الجنة، واستشهد عليه بقوله تعالى: وَ ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ﴾ [إبراهيم: ٢٣] ودليله أيضاً قوله جل ذكره: ﴿يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ﴾ [الرعد: ٢٣].
وفرق المبرد بين التحية والسلام، فقال: التحية تكون لكل دعاء، والسلام مخصوص، ومنه ﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً﴾ [الفرقان: ٧٥].
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً﴾ أي: أعد لهم الجنة على طاعتهم له في الدنيا.

صفحة رقم 5848

ثم قال تعالى ذكره: ﴿يا أيها النبي إِنَّآ أرسلناك شاهدا وَمُبَشِّراً وَنَذِيرا﴾ أي: أرسلناك يا محمد شاهداً على أمتك بإبلاغك إياهم ما أرسلت به، ومبشراً لمن أطاعك بالجنة، ونذيراً لمن عصاك بالنار، قاله قتادة وغيره.
ثم قال: ﴿وَدَاعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ﴾ أي: إلى توحيد الله، وطاعته. قال قتادة: " ودَاعياً إلَى الله " إلى شهادة أن لا إله إلا الله.
﴿بِإِذْنِهِ﴾ أي: بأمره إياك بذلك. ﴿وَسِرَاجاً مُّنِيراً﴾ أي: مضيئاً للخلق يبين لهم أمر دينهم ويهتدون به كما يُهْتَدَى بالسرج المضيء.
ثم قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كَبِيراً﴾ أي: من ثواب الله أضعافاً كثيرة. وقيل: المعنى: وذا سراج: أي ذا كتاب بين مضيء.
قال ابن عباس: " لما نزلت هذه الآية: ﴿يا أيها النبي إِنَّآ أرسلناك شاهدا﴾ الآية، دعى النبي ﷺ علياً ومُعاذاً فقال: " انْطلِقَا فَيَسِّرا وَلاَ تُعَسِّرَا فَإِنَّه قَدْ نَزَلَ عَلَيَّ: ﴿إِنَّآ أرسلناك شاهدا﴾ الآية وقرأ الآية ".
ثم قال: ﴿وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين﴾ أي: لا تسمع دعاءهما إليك على التقصير في

صفحة رقم 5849

تبليغ رسالات الله.
﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾. قال مجاهد أعرض عنهم. وقال مجاهد: دع الأذى لا تجازهم عليه حتى تؤمر فيه بشيء. وقيل: المعنى لا تؤذيهم، وكان هذا قبل أن يؤمر بالقتال، ثم نسخ ذلك بالقتال.
قال قتادة: معناه: اصبر على أذاهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾ أي: فوِّض إلى الله أمرك وثق به، فإن الله كافيك. ﴿وكفى بالله وَكِيلاً﴾ أي: وحسبك بالله فيما يأمرك به حافظاً لك وكَالِئاً.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿يا أيها الذين آمنوا إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات﴾ الآية، أي إذا تزوجتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل الدخول بهن والمجامعة - والنكاح هنا العقد - فلا عدة لكم عليهن/ ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ أي: أعطوهن ما يستمتعن به من عرض أو عين.
﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ أي: خلوا سبيلهن تخلية بمعروف.
قال ابن عباس: إذا طلق التي لم يدخل بها واحدة بانت منه ولا عدة عليها،

صفحة رقم 5850

تتزوج من شاءت، فإن كان سمى لها صداقاً فلها نصفه، وإن كان لم يسم متعها على قدر عسره ويسره.
وقيل: منسوخة بقوله جل ذكره: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧]، قاله ابن المسيب وقتادة: وهذه الآية خصصت آية البقرة وبينتها وهي قوله تعالى: ﴿والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء﴾ [البقرة: ٢٢٨] فظاهر الآية أن ذلك في كل مطلقة.
فبينت آية الأحزاب أن آية البقرة في المدخول بها. وكذلك آية الأحزاب خصصت وبينت آية الطلاق، وهي قوله: ﴿واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارتبتم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ واللائي لَمْ يَحِضْنَ﴾ [الطلاق: ٤] فبينت آية الآحزاب أن الثلاثة الأشهر لهذين الصنفين، إنما ذلك للمدخل بها، كذلك أيضاً الطلاق خصصت وبينت أن آية البقرة في غير الصنفين المذكورين في سورة الطلاق فصار في آية البقرة تخصيصان وبيانان من سورتين. وصارت آية الأحزاب مخصصة ومبينة لآيتين من سورتين فآية الأحزاب أحكم إذ لا تخصيص فيها.
فالإعتداد للرجال، أي: هم يستوفون من النساء ما عليهن من العدة. فالعدة

صفحة رقم 5851
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية