
قوله تعالى: ﴿مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ... ﴾ [الأحزاب: ٣٨] أي:
صفحة رقم 12053
إثم أو ملامة ﴿فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ... ﴾ [الأحزاب: ٣٨] أي: كيف تلومون رسول الله على تنفيذ أمر فرضه الله له وتأمل ﴿فَرَضَ الله لَهُ... ﴾ [الأحزاب: ٣٨] أي: لصالحه ولم يقُلْ فرض عليه؟ ما دام أن الله هو الذي فرض هذا، فلتُصعِّدوا الأمر إليه، فليس لرسوله ذنب فيه.
وهذه المسألة تشبه تماماً مسألة الإسراء، فحين أخبر سيدنا رسول الله قومه بخبر الإسراء قالوا: يا محمد أتدَّعي أنك أتيتَ بيت المقدس في ليلة، ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً؟ وهذا غباء منهم لأن محمداً لم يقل: سريْت إنما قال: أُسْرِي بي. فالذي أسري به ربه - عَزَّ وَجَلَّ - إذن: المسألة ليست من فعل محمد، ولكن من فعل الله.
وسبق أن ضربنا لذلك مثلاً توضيحياً - ولله المثل الأعلى - قُلْنا: هَبْ أن رجلاً قال لك: أنا صعدتُ بولدي الصغير قمة (إفرست) أتقول له: كيف صعد ولدك قمة (إفرست) ؟
لكن انتفعنا الآن بقول المكذِّبين: أتدَّعي يا محمد أنك أتيتَ بيت المقدس في ليلة ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً؛ لأن غباء المكذِّب يؤدي به إلى عكس ما قصده من غبائه، فهذا القول اتخذناه الآن دليلاً للرد على مَنْ يقولون بأن الإسراء كان رؤيا، أو كان بالروح دون الجسد.
فلو قال رسول الله: رأيتُ في الرؤيا أني أتيتُ بيت المقدس ما

قالوا هذه المقالة، إذن: فَهِمَ القومُ أن رسول الله أتي بيت المقدس بروحه وجسده، وإلا ما قارنوا بين ذهابهم وذهابه، فالذين عاصروا هذه الحادثة قالوا هذه المقالة، فكيف نأتي اليوم لنقول: إن الإسراء كنا مناماً، أو كان بالروح دون الجسد؟
وقوله تعالى: ﴿سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ... ﴾ [الأحزاب: ٣٨] أي: إخوانه من الرسل السابقين، أو فيما كان قبل الإسلام من التعدُّد، فلم يكُنْ رسول الله بدَعاً في هذه المسألة.
﴿وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً﴾ [الأحزاب: ٣٨] تلحظ أن الآية السابقة خُتِمَتْ بقوله تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً﴾ [الأحزاب: ٣٧] فلقائل أن يقول نعم مفعولاً في هذا الوقت الذي حدثتْ فيه هذه الأحداث؛ لذلك قال هنا ﴿وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً﴾ [الأحزاب: ٣٨] أي: أن ما حدث لرسول الله كان مقدراً أزلاً، ولا شيء يخرج عن تقدير الله، وقد صَحَّ أن القلم قد جَفَّ على ما كُتِب، وعلى ما قُدِر.