آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ

الإيضاح
(الم) تقدم الكلام فى مثل هذا من قبل، فى معناه، وكيفية النطق به.
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي إن هذا القرآن الذي أنزل على محمد لا شك أنه من عند الله، وليس بشعر، ولا سجع كاهن، ولا هو مما تخرّصه محمد صلى الله عليه وسلم.
وفى هذا تكذيب لقولهم: «وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا».
ثم فنّد تكذيبهم له، وأكد أنه من لدن رب العالمين، فقال:
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) أي بل هو الحق والصدق من عند ربك أنزله إليك، لتنذر قومك بأس الله وسطوته أن تحل بهم على كفرهم به، وإنه لم يأتهم نذير من قبلك، ليبين لهم سبيل الرشاد، وأن محمدا لم يختلقه كما يزعمون.
وفى هذا ردّ لقولهم: «إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ».
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ٤ الى ٩]
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٤) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨)
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩)

صفحة رقم 103

المعنى الجملي
بعد أن أثبت سبحانه صحة الرسالة- بيّن ما يجب على الرسول من الدعاء إلى توحيد لله، وإقامة الأدلة على ذلك.
الإيضاح
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي الله سبحانه هو الخالق للسموات والأرض وما بينهما فى ستة أطوار فى نظر الناظرين إليها، وليس المراد اليوم المعروف، لأنه قبل خلق السموات لم يكن ليل ولا نهار، وقد تقدم تفصيل ذلك فى سورة الفرقان.
(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) تقدم بيان هذا فى سورة يونس وهود وطه.
(ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ) أي ليس لكم أيها الناس من يلى أموركم، وينصركم منه إن أراد بكم ضرا، ولا يشفع لكم عنده إن هو عاقبكم على معصيتكم إياه.
والخلاصة: فإياه فاتخذوه وليّا، وبه وبطاعته فاستعينوا على أموركم، فإنه يمنعكم ممن أرادكم بسوء، ولا يقدر أحد على دفع السوء عنكم، إذا هو أراد وقوعه بكم، لأنه لا يقهره قاهر، ولا يغلبه غالب.
ثم أمرهم بالتذكر والتدبر فى الأدلة، فقال:
(أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ؟) أي أفلا تعتبرون وتتفكرون أيها العابدون غيره، المتوكلون على من عداه، تعالى الله وتقدس أن يكون له نظير أو شريك، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.

صفحة رقم 104

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) تدبير الأمر: النظر فى دابره وعاقبته ليجىء محمود المغبّة، وتدبير الأمر من السماء إلى الأرض، ثم عروجه إليه، تمثيل لإظهار عظمته، كما يصدر الملك أوامره، ثم يتلقى من أعوانه ما يدل على تنفيذها.
(فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) أي يدبر أمر الدنيا إلى أن تقوم الساعة، ثم يصير الأمر كله إليه، ليحكم فيه فى يوم مقداره ألف سنة مما كنا نعده فى هذه الحياة.
والمراد بالألف الزمن المتطاول، وليس المقصد منه حقيقة العدد، إذ هو عند العرب منتهى المراتب العددية، وأقصى غاياتها، وليس هناك مرتبة فوقه إلا ما يتفرع منه من عداد مراتبها.
قال القرطبي: المعنى إن الله تعالى جعله فى صعوبته على الكفار كخمسين ألف سنة قاله ابن عباس، والعرب تصف أيام المكروه بالطول، وأيام السرور بالقصر، قال شاعرهم:

ويوم كظلّ الرمح قصّر طوله دم الزقّ عنا واصطفاق المزاهر اهـ
(ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) أي لك المدبر لهذه الأمور، هو العالم بما يغيب عن أبصاركم، مما تكنّه الصدور وتخفيه نفوس، وما لم يكن بعد مما هو كائن، وبما شاهدته الأبصار وعاينته، وهو الشديد انتقامه ممن كفر به، وأشرك معه غيره، وكذب رسله، وهو الرحيم بمن تاب من ضلالته، ورجع إلى الإيمان به وبرسوله، وعمل صالحا، وهو الذي أحسن خلق الأشياء وأحكمها.
ولما ذكر خلق السموات والأرض شرع يذكر خلق الإنسان، فقال:
(وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) أي وبدأ خلق آدم أبى البشر من الطين، وقد يكون

صفحة رقم 105
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية