
سورة السجدة
مكّية، وهي ألف وخمسمائة وثمانية عشر حرفا، وثلاثمائة وثمانون كلمة، وثلاثون آية
أخبرنا أبو عمرو أحمد بن أبي الفراتي، عن عمران بن موسى، عن مكي بن عبدان، عن سليمان بن داود، عن أحمد بن نصر قال: أخبرني أبو معاد، عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم، عن زيد العمي عن أبي نضرة، عن ابن عبّاس، عن أبيّ بن كعب أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «من قرأ سورة الم تَنْزِيلُ أعطي من الأجر كأنّما أحيا ليلة القدر» [١٨٦].
وأخبرنا أبو الحسن بن أبي الفضل الفهنرزي بها، عن حمزة بن محمد بن العبّاس ببغداد، عن عبد الله بن روح عن شبابة] بن سوار] عن المغيرة بن مسلم، عن ابن الزبير، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم: أنّه كان لا ينام حتّى يقرأ الم تَنْزِيلُ السجدة وتَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ «١» ويقول: «هما تفضلان كلّ سورة في القرآن سبعين حسنة، ومن قرأهما كتبت له سبعون حسنة، ومحي عنه سبعون سيئة، ورفع له سبعون درجة» [١٨٧] «٢».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ١ الى ١١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٤)يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩)
وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)
(٢) سنن الترمذي: ٤/ ٢٣٩، والمستدرك: ٢/ ٤١٢.

قوله عزّ وجلّ: الم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ. أي، بل يقولون وقيل: الميم صلة، أي أيقولون استفهام توبيخ. وقيل: هو بمعنى الواو يعني ويقولون.
وقيل: فيه إضمار مجازه: فهل يؤمنون به، أم يقولون: افْتَراهُ ثمّ قال: بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ أي لم يأتهم من نذير مِنْ قَبْلِكَ.
قال قتادة: كانوا أمّة أميّة لم يأتهم نذير قبل محمّد (عليه السلام). قال ابن عبّاس ومقاتل:
ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمّد (عليهما السلام).
لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ. اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ. يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ أي ينزل الوحي مع جبرائيل من السماء إلى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ يصعد إِلَيْهِ جبرائيل بالأمر في يوم واحد من أيّام الدّنيا، وقدر مسيره ألف سنة، خمسمائة نزوله من السماء إلى الأرض، وخمسمائة صعوده من الأرض إلى السماء. وما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة سنة يقول: لو ساره أحد من بني آدم لم يسره إلّا في ألف سنة، والملائكة يقطعون هذه المسافة بيوم واحد، فعلى هذا التأويل نزلت الآية في وصف مقدار عروج الملائكة من الأرض إلى السماء، ونزولهم من السماء إلى الأرض، وأمّا قوله: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ «١» فإنّه أراد مدّة المسافة من الأرض إلى سدرة المنتهى التي فيها مقام جبرائيل (عليه السلام).
يقول: يسير جبرائيل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيّام الدنيا، وهذا كلّه معنى قول مجاهد وقتادة والضحّاك، وأمّا معنى قوله: إِلَيْهِ على هذا التأويل فإنّه يعني إلى مكان الملك الذي أمره الله أن يعرج إليه، كقول إبراهيم (عليه السلام) إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي «٢» وإنّما أراد أرض الشام. وقال: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ «٣» أي إلى المدينة، ولم يكن الله تعالى بالمدينة ولا بالشام.
أخبرني ابن فنجويه، عن هارون بن محمد بن هارون، عن حازم بن يحيى الحلواني، عن محمد بن المتوكل، عن عمرو بن أبي سلمة، عن صدقة بن عبد الله عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أتاني ملك برسالة من الله عزّ وجلّ، ثمّ رفع رجله فوضعها فوق السماء، والاخرى في الأرض لم يرفعها» [١٨٨] «٤».
وقال بعضهم معناه:
(٢) سورة الصافات: ٩٩.
(٣) سورة النساء: ١٠٠.
(٤) كنز العمال: ٦/ ١٣٦ ح ١٥١٥٣.

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ مدّة أيّام الدنيا، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ الأمر والتدبير، ويرجع يعود إليه بعد انقضاء الدنيا وفنائها فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وهو يوم القيامة.
وأمّا قوله: خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ «١» فإنّه أراد على الكافر، جعل الله ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة، وعلى المؤمن كقدر صلاة مكتوبة صلّاها في دار الدنيا. ويجوز أن يكون ليوم القيامة أوّل وليس له آخر وفيه أوقات شتّى بعضها ألف سنة وبعضها خمسين ألف سنة. ويجوز أن يكون هذا إخبار عن شدّته وهوله ومشقّته لأنّ العرب تصف أيّام المكروه بالطّول وأيّام السرور بالقصر، وإلى هذا التأويل ذهب جماعة من المفسّرين.
وروي عبد الرزاق عن ابن جريح قال: أخبرني ابن أبي مليكة قال: دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفّان على ابن عبّاس فسأله ابن فيروز عن هذه الآية، فقال له ابن عبّاس:
من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفّان، فقال عبد الله بن عبّاس: أيّام سمّاها الله لا أدري ما هي، وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم. قال ابن أبي مليكة: فضرب الدهر حتّى دخلت على سعيد بن المسيّب فسئل عنها فلم يدر ما يقول، فقلت له: ألا أخبرك ما حضرت من ابن عبّاس، فأخبرته، فقال ابن المسيب للسائل: هذا ابن عبّاس قد اتّقى أن يقول فيها وهو أعلم منّي.
قوله: ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ قرأ نافع وأهل الكوفة (خَلَقَهُ) بفتح اللّام على الفعل، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ثمّ قالا: لسهولتها في المعنى وهي قراءة سعيد بن المسيب. وقرأ الآخرون بسكون اللام. قال الأخفش: هو على البدل ومجازه: الذي أحسن خلق كلّ شيء.
قال ابن عبّاس: أتقنه وأحكمه، ثمّ قال: أما إنّ است القرد ليست بحسنة ولكنّه أحكم خلقها. وقال قتادة: حسنه. مقاتل: علم كيف يخلق كلّ شيء، من قولك فلان يحسن كذا إذا كان يعلمه.
وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ يعني آدم (عليه السلام) مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ ذريته مِنْ سُلالَةٍ من نطفة، سمّيت بذلك لأنّها تنسل من الإنسان، أي تخرج، ومنه قيل للولد: سلالة.
وقال ابن عبّاس: وهي صفو الماء مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ضعيف ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ. وَقالُوا يعني منكري البعث، أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أي أهلكنا وبطلنا وصرنا ترابا، وأصله من قول العرب: ضلّ الماء في اللبن إذا ذهب، ويقال: أضللت الميّت أي دفنته. قال الشاعر:

وأب مضلوه بغير جلية | وغودر بالجولان جرم ونائل «١» |
وقرأ الحسن والأعمش صَلَلْنا [بالصاد] غير معجمة أي أنتنّا، وهي قراءة عليّ رضي الله عنه «٢».
أخبرنا ابن فنجويه عن ابن شنبه قال: أخبرني أبو حامد المستملي، عن محمد بن حاتم [الكرخي] «٣» أبو [عثمان] «٤» النحوي، عن المسيب بن شريك، عن عبيدة الضبي، عن رجل، عن علي أنّه قرأ أءذا صللنا أي أنتنّا.
قال محمّد بن حاتم: يقال: صلّ اللّحم وأصل إذا أنتن.
أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ قال الله: بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ.
قوله عزّ وجلّ: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ بقبض أرواحكم مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ قال مجاهد: حويت له الأرض فجعلت له مثل طست يتناول منها حيث يشاء، وقال مقاتل والكلبي:
بلغنا أنّ اسم ملك الموت عزرائيل وله أربعة أجنحة: جناح له بالمشرق، وجناح له بالمغرب، وجناح له في أقصى العالم من حيث يجيء ريح الصبا، وجناح من الأفق الآخر. ورجل له بالمشرق، والأخرى بالمغرب، والخلق بين رجليه، ورأسه وجسده كما بين السماء والأرض، وجعلت له الدنيا مثل راحة اليد، صاحبها يأخذ منها ما أحبّ في غير مشقة ولا عناء، أي مثل اللّبنة بين يديه فهو يقبض أنفس الخلق في مشارق الأرض ومغاربها، وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.
وأخبرني الحسين بن محمد بن الحسين عن عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك عن الخطّاب بن أحمد بن عيسى قال: أخبرني أبو نافع أحمد بن كثير، عن كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم عن ابن عبّاس قال: إنّ خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب.
وأخبرنا الحسين بن محمد، عن عبد الله بن يوسف، عن عبد الرحيم بن محمد، عن سلمة ابن شبيب، عن الوليد بن سلمة الدمشقي، عن ثور بن يزيد عن خالد بن [معد «٥» ]، عن معاذ بن جبل قال: إنّ لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب، وهو يتصفّح وجوه الناس، فما من أهل بيت إلّا وملك الموت يتفحّصهم في كلّ يوم مرّتين، فإذا رأى إنسانا قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة، وقال: الآن يزار بك عسكر الأموات.
(٢) راجع معاني القرآن للنحاس: ١/ ٢٠، وتفسير القرطبي: ١٤/ ٩٢، ولسان العرب: ١١/ ٣٨٤.
(٣) في نسخة أصفهان: الزمي.
(٤) في نسخة أصفهان: عمارة.
(٥) في نسخة أصفهان: معدان. [.....]