
{إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم
صفحة رقم 360
خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} قوله: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بئَايَاتِنَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: يصدق بحجتنا، قاله ابن شجرة. الثاني: يصدق بالقرآن وآياته، قاله ابن جبير. ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً﴾ فيه وجهان: أحدهما: الذين إذا دعوا إلى الصلوات الخمس بالأذان أو الإقامة أجابوا إليها قاله أبو معاذ، لأن المنافقين كانوا إذا أقيمت الصلاة خرجوا من أبواب المساجد. الثاني: إذا قرئت عليهم آيات القرآن خضعوا بالسجود على الأرض طاعة لله وتصديقاً بالقرآن. وكل ما سقط على شيء فقد خر عليه قال الشاعر:
(وخر على الألاءِ ولم يوسد | كأن جبينه سيف صقيل) |
(يبيت يجافي جنبه عن فِراشِه | إذا استثقلت بالمشركين المضاجع) |

الثاني: للصلاة - روى ميمون بن شبيب عن معاذ بن جبل قال كنت مع رسول الله ﷺ في غزوة تبوك فقال: (إِنْ شِئْتَ أَنبَأْتُكَ بَأبوابِ الْخَيرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَة وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيلِ) ثم تلا هذه الآية.
صفحة رقم 362
وفي الصلاة التي تتجافى جنوبهم لأجلها أربعة أقاويل: أحدها: التنفل بين المغرب والعشاء، قاله قتادة وعكرمة. الثاني: صلاة العشاء التي يقال لها صلاة العتمة، قاله الحسن وعطاء. الثالث: صلاة الصبح والعشاء في جماعة، قاله أبو الدرداء وعبادة. الرابع: قيام الليل، قاله مجاهد والأوزاعي ومالك وابن زيد. ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: خوفاً من حسابه وطمعاً في رحمته. الثاني: خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه. ويحتمل ثالثاً: يدعونه في دفع ما يخافون والتماس ما يرجون ولا يعدلون عنه في خوف ولا رجاء. ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: يؤتون الزكاة احتساباً لها، قاله ابن عباس. الثاني: صدقة يتطوع بها سوى الزكاة، قاله قتادة. الثالث: النفقة في طاعة الله، قال قتادة: أنفقوا مما أعطاكم الله فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها. الرابع: أنها نفقة الرجل على أهله. قوله: ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه للذين تتجافي جنوبهم عن المضاجع، قاله ابن مسعود. الثاني: أنه للمجهدين قاله تبيع. وفي ﴿قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ التي أخفيت لهم أربعة أوجه: أحدها: رواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول
صفحة رقم 363
الله ﷺ، (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنِي أَعْدَدْتُ لِعبَادي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَينٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ اقْرَأُواْ إِنْ شِئْتُم: ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾) الآية. الثاني: أنه جزاء قوم أخفوا عملهم فأخفى الله ما أعده لهم. قال الحسن بالخفية: خفية وبالعلانية علانية. الثالث: أنها زيادة تحف من الله ليست في حياتهم يكرمهم بها في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات، قاله ابن جبير. الرابع: أنه زيادة نعيمهم وسجود الملائكة لهم، قاله كعب. ويحتمل خامساً: اتصال السرور بدوام النعيم. ﴿جَزَآءً بِمَ كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ يعني من فعل الطاعات واجتناب المعاصي.
صفحة رقم 364