آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ
ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ

قوله تعالى ذكره: ﴿وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ﴾ إلى آخر السورة.
أي: لا يغمك يا محمد كفر من كفر ولم يؤمن، فإن رجوعه إلى الله فيخبره بسور عمله ويجازيه عليه، وهذا مثل قوله " ﴿فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨] ".
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ أي: يعلم ما تكنه صدورهم من الكفر بالله.
ثم تعالى: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً﴾ أي: يمهلهم في الدنيا إمهالاً قليلاً ووقتاً قليلاً.
﴿ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ أي: يلجئهم إلى الدخول في عذاب النار - نعوذ بالله منها -.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله﴾ أي: إن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قومك من خلق السماوات والأرض؟ أقروا بأنه الله، فقل يا محمد عند إقرارهم بذلك: الحمد لله: أي الذي خلق ذلك وتفرج به لأنهم لم يخلقوا شيئاً.
﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي: لا يعلمون من يجب له الحم والشكر.
ثم قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السماوات والأرض﴾ أي يملكها.
﴿إِنَّ الله هُوَ الغني﴾: أي: عن خلقه. ﴿الحميد﴾ أي المحمود على نعمه.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ﴾. أي: ولو أن شجرة الأرض كلها بريت أقلاماً، والبحر لها مداد، ويمدها سبعة أبحر مداداً - أي الأقلام - ﴿مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله﴾.

صفحة رقم 5735

وفي الكلام حذف، والتقدير: يكتب بذلك كلام الله لتكسرت الأقلام وجفت وفرغ المداد ولم تنفذ كلمات الله. ومن رفع " البحر " فعلى الابتداء، أو على موضع أن.
" وما " عملت فيه، أو على موضع " ما "، إذ لم يظهر فيه الإعراب.
قال قتادة: قال المشركون: هذا الكلام يوشك أن ينفد/ فنزلت هذه الآية. وروي أن هذه الآية نزلت على النبي ﷺ في سبب مجادلة كانت من اليهود له.
قال ابن عباس: " قالت أحبار يهود للنبي ﷺ بالمدينة: يا محمد أرأَيْتَ قَوْلُكَ " وَمَا أُوتِيتُم مِنَ العِلْمِ إلاَّ قَلِيلاً إِيَّانَا تُرِيدُ أَمْ قَوْمُكَ؟ فقالَ النبي ﷺ: " كَلاَّ "، قالوا: ألسْتَ تَتْلُو فِيما جَاءَك أنَّا قَد أوتينَا التَّوراة فيها بيان كل شيء؟ فقال النبي ﷺ:

صفحة رقم 5736

" فإنَّها في علم الله قليل، وعندكم من ذلك ما تكفيكم " فأنزل الله في ذلك: " ولو أنما في الأرض من شجرة " إلى تمام الثلاث الآيات.
وهذا معنى قول عكرمة.
ويروى أن النبي ﷺ ق قال لهم: " وَقَدْ أَتَاكُم اللهُ ما أن عَمِلْتُم بِهِ انْتَفَعْتُم وهو في عِلْمِ الله قَلِيلٌ ".
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الله عَزِيزٌ﴾ أي: ذو عزة في انتقامه ممن أشرك به وادعى معه إلهاً غيره، ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبيره خلقه.
ثم قال تعالى: ﴿مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أي: ما خلقكم إلا كخلق نفس واحدة ولا بعثكم إلا كبعث نفس واحدة، لأنه إنما يقول للشيء كن فيكون قليلاً كان أو كثيراً. هذا معنى قول مجاهد.
ثم قال: ﴿إِنَّ الله سَمِيعٌ﴾ أي: سامع لما يقوله المشركون وغيرهم، ﴿بَصِيرٌ﴾ بأعمال الخلق كلهم.
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل﴾. أي يزيد من كل واحد في الآخر، فينقص من أحدهما بمقدار ما زاد في الآخر.

صفحة رقم 5737

ثم قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ الشمس والقمر﴾ أي: سخرهما لمصالح العباد. ﴿كُلٌّ يجري إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي: يجري بإذن الله إلى وقت معلوم، إذا بلغاه كورت الشمس والقمر.
﴿وَأَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي: ذو خبر بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها. والمراد بها الخطاب المشركون.
ثم قال عالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الحق﴾. أي: هو الخالق الحق لا ما تعبدون. ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الباطل﴾ أي: ما تعبدون من الأصنام والأوثان هو الباطل الذي يضمحل ويفنى.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الله هُوَ العلي﴾ أي: ذو العلو على كل شيء، وكل من دونه متذلل منقاد له، ﴿الكبير﴾ أي: الذي كل شيء يتصاغر له.
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفلك تَجْرِي فِي البحر بِنِعْمَةِ الله﴾ أي: السفن تجري في البحر بنعمة الله على خلقه. ﴿لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ﴾ أي: من حججه وقدرته فتتعظوا.
وقد قيل: نعمة الله ها هنا الريح التي تجري السفن بها.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ﴾ أي: إن في جري الفلك في البحر لعلامات وحججاً على قدرة الله وضعف ما تدعون من دونه.
﴿لِّكُلِّ صَبَّارٍ﴾ أي: لكم من صبر نفسه عن محارم الله وشكر على نعمة. قال مطرف: إن من أحب عباد الله إليه الصبور الشكور.

صفحة رقم 5738

وقال الشعبي: الصبر نصف الإيمان والشكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله.
وقال قتادة: إن من أحب عباد الله إليه من إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل﴾. أي: وإذا غشي هؤلاء الذين يشركون بالله غيرهم في حال ركوبهم لابحر موج كالظلم، شبه سواد كثرة الماء وتراكب بعضه على بعض بالظلم، وهي الظل جمع ظلة.
وقال الفراء: الظل هنا: السحاب.
﴿دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ أي: إذا غشيهم الموج فخافوا الغرق فزعوا إلى الله بالدعاء مخلصين له لا يشركون به هنا لك شيئاً، ولا يستغيثون بغيره.
﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر﴾ أي: نجاهم من ذلك الموج والغرق فصاروا في البر.
﴿فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ﴾ أي: في قوله وإقراره بربه، وهو مضمر للكفر بعد ذلك، وقال أبن زيد: المقتصد على صلاح من الأمر. وفي الكلام حذف، كأنه قال: ومنهم كافر بربه الذي نجاه من الغرق. ودل على ذلك قوله: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾ أي: وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلا كل غدار عنيد. فدل الجحود المذكور على الكفر المحذوف.

صفحة رقم 5739

وقيل: التقدير: ومنهم جائر لأن الاقتصاد ضده الجور، فدل على ضده، قال معنى ذلك مجاهد والحسن وقتادة والضحاك/.
والختر عند العرب أشد.
ثم قال ﴿يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ﴾. أي: اتقوه في قبول طاعته والعمل بمرضاته، ﴿واخشوا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً﴾ يعني: وخافوا يوم القيامة فإنه يوم لا يشفع فيه أحد لأحد إلا بالإيمان والأعمال الصالحة.
﴿إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ أي: إن مجيء هذا اليوم الذي يجازي الناس فيه بأعمالهم حق.
﴿فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا﴾ أي: لا يخدعنّكم نُزهَتُها ولذاتها فتميلوا إليها، وتدعوا الاستعداد لما فيه خلاصكم من عذاب الله تعالى ونعيمكم أبداً.
﴿وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور﴾. أي: ولا يخدعكم بالله خادع، فالغرور هو كل ما غر من إنسان أو شيطان. ومن ضم الغين جعله مصدراً.
وقيل: هو أن تعمل المعصية وتتمنى المغفرة، قاله أبن جبير.

صفحة رقم 5740

ثم قال تعالى ذكره: ﴿إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة﴾. أي: يعلم متى تكون، فاتقوا أن تأتيكم بغتة.
﴿وَيُنَزِّلُ الغيث﴾: أي: لا يعلم متى ينزله.
﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرحام﴾ أي: لا يُعْلَمُ ذلك غيره.
﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً﴾ أي: ما تعمل من خير وشر.
﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ أي: في أي مكان يلحقها أجلها فتموت فيه، كل ذلك لا يعلمه إلا الله.
﴿إِنَّ الله عَلَيمٌ﴾ أي: ذو علم بكل الأشياء، ﴿خَبِيرٌ﴾ بما هو كائن وما كان. وقال النبي ﷺ " مفاتح الغَيب خَمْسة. ثم قرأ هذه الآية.. ".

صفحة رقم 5741
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية