
يفكرون، أي: يجحدون نعم الله، فالهاء في " رَأَوْهُ " للنبات من زرع وغيره.
وقيل: الهاء للسحاب.
وقيل: للريح.
ثم قال تعالى: ﴿فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى﴾ الآية.
أي: إنك يا محمد لا تقدر أن تسمع من مات قلبه، ولا من أصم الله أذنه عن سماع الإيمان وهو الكافر لأنه كالميت الأصم. وهذا مَثَلٌ [ضربه] الله للكفار.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَنتَ بِهَادِ العمي عَن ضَلاَلَتِهِمْ﴾ الآية.
أي: لست يا محمد تقدر أن تهدي من أعماه الله تعالى عن الهدى.
﴿إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ﴾ أي: تسمع إلا من وفقه الله للإيمان، وقد تقدم تفسير الآيتين بأشبع من هذا في " الأنبياء ".
قوله تعالى ذكره: ﴿الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ﴾ إلى آخر السورة.

هذه الآية احتجاج على من أنكر البعث، فتقرر عندهم أنه تعالى خلفهم من ضعف وهو النطفة، فجعله بشراً قوياً، ثم رد القوي إلى الضعف وهو الهرم والشيب، فمن فعل هذا يقدر على إحيائكم بعد موتكم.
والضعف بالفتح: المصدر، والضعف بالضم الاسم.
وروى عطية عن ابن عمر أنه قال: " قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيّ ﷺ الَّذي خَلَقَكُم مِنْ ضَعْفٍ " فقال لي: " مِنْ ضُعْفٍ ".
وقرأ عيسى بن عمر " مِنْ ضُعُف " بضمتين/.
وأجاز الكوفيون ضَعَفٍ بفتح الضاد والعين لأجل حرف الحلق.
ثم قال: ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾.

أي: يخترع ويحدث ما يشاء.
﴿وَهُوَ العليم﴾ أي: بخلقه، ﴿القدير﴾ أي: القادر عليهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون﴾ أي: ويوم تجيئ ساعة البعث فيبعث الله الخلق، يحلف الكفار ما لبثوا فيب قبورهم غير ساعة واحدة.
قال قتادة: لما عاينوا الآخرة هان عندهم ما لبثوا.
﴿كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ﴾ أي: كما كذبوا في قولهم في الآخرة ما لبثها في قبورنا غير ساعة، كذلك كانوا في الدنيا يكذبون، أي: يصرفون الصدق إلى الكذب.
وقيل معنى ذلك: أن الكفار لابد لهم من خمدة بين النفختين فلم يدروا مقدار ذلك فقالوا: ما لبثنا غير ساعة.
وقيل: معناه: ما لبثنا في الدنيا غير ساعة، هان عليهم مكثهم في الدنيا لا نقطاعه وزواله، فادعوا أنهم ما لبثوا فيها غير ساعة.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إلى يَوْمِ البعث فهذا يَوْمُ البعث﴾.
هذا رد من المؤمنين على الكفار يوم القيامة دعواهم أنهم ما لبثوا غير ساعة، تقديره عند قتادة: وقال الذين أوتوا العلم والإيمان في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث.

وقال ابن جريج " تقديره: وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان بالله وبكتابه لقد لبثتم إلى يوم البعث.
وقيل: المعنى على غير تقدير ولا تأخير، والتقدير: وقال الذين أعطاهم الله العلم به والإيمان لقد لبثتم في اللوح المحفوظ إلى يوم البعث، فهذا يوم البعث، أي: يوم يبعث الناس من قبورهم، ولكنكم كنتم لا تعلمون في الدنيا أنه يكون وأنكم تبعثون بعد الموت، ولذلك كذبتم به.
وقيل: التقدير: لقد لبثتم في حكم الله وتقديره إلى يوم البعث.
ثم قال تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ الذين ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ﴾.
أي: لا ينتفعون بعذر يعتذرون به من كفرهم وجحودهم ونفيهم للبعث.
﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أي: لا يقيمون في أنفسهم ولا يسترجعون.
روي أنه لما رد المؤمنون عليهم سألوا الرجوع إلى الدنيا واعتذروا فلم يعذرا ولا استعتبوا.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ أي: مَثَّلْنَا للناس في القرآن من كل مثل يدلهم على الهدى احتجاجاً عليهم وتنبيهاً لهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ﴾ أي: وإن جئتم يا محمد بدلالة على صدق ما تقول لهم. ﴿لَّيَقُولَنَّ الذين كفروا﴾ أي: الذين جحدوا آيات الله ورسله.

﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ﴾ فيما جئتم به.
ثم قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الذين لاَ يَعْلَمُونَ﴾.
أي: كتم الله على قلوب الذين لا يعلمون حقيقة ما تأتيهم به يا محمد من عند الله.
ثم قال جل ذكره لنبيه ﷺ: ﴿ فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾.
أي: اصبر على أذاهم وتكذيبهم إياك، إن وعد الله الذي وعدك من النصر عليهم والظفر بهم حق لا بد منه.
﴿وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الذين لاَ يُوقِنُونَ﴾ أي: لا يستخفن حلمك هؤلاء المشركون بالله الذين لا يوقنون بالمَعَاد، ولا يصدقون بالبعث.