آيات من القرآن الكريم

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ

ولا يلزمه قبوله إجماعا، لما يلحقه من المنّة في ذلك. وقال الشافعي: لو وهب الابن لأبيه مالا يلزمه قبوله لأن ابن الرّجل من كسبه، ولا منّة عليه في ذلك. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يلزمه قبوله لأن فيه سقوط حرمة الأبوة إذ يقال: قد جزاه، وقد وفّاه.
هذا... وقد تقدّمت أحكام أخرى للحجّ والعمرة في تفسير سورة البقرة- الجزء الثاني.
إصرار أهل الكتاب على الكفر وصدهم عن سبيل الله
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٩٨ الى ٩٩]
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩)
الإعراب:
وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ جملة حالية فيها تهديد ووعيد، وشَهِيدٌ: صيغة مبالغة، وما: متعلقة بقوله شَهِيدٌ، وهي اسم موصول.
المفردات اللغوية:
بِآياتِ اللَّهِ دلائل الله الدالة على إثبات نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم. شَهِيدٌ عالم بالشيء مطلع عليه، فيجازي عليه. تَصُدُّونَ تصرفون. عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ دينه، والسبيل يذكر ويؤنث، وهو الطريق. تَبْغُونَها تطلبون السبيل. عِوَجاً مصدر بمعنى معوجة أي مسائلة عن الحق، فالعوج: الميل عن الاستواء في الأمور المعنوية كالدين والقول، والمراد هنا: الزيغ

صفحة رقم 20

والانحراف. وَأَنْتُمْ شُهَداءُ عالمون بأن الدين المرضي القيم دين الإسلام، كما في كتابكم. وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ من الكفر والتكذيب، وإنما يؤخركم إلى وقتكم، ليجازيكم.
سبب النزول:
أخرج ابن جرير الطبري عن زيد بن أسلم قال: مرّ شاس بن قيس اليهودي- وكان شيخا قد غبر في الجاهلية عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم- على نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام، بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة، فقال:
قد اجتمع ملأ بني قيلة (الأوس والخزرج) بهذه البلاد، لا والله، مالنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار.
فأمر شابا من اليهود كان معه، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكّرهم يوم بعاث «١» وما كان فيه، وأنشدهم بعض ما كان تقاولوا فيه من الأشعار. وكان بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج.
ففعل، فتكم القوم عند ذلك، فتنازعوا وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحيين: أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، وجابر بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا، وقال أحدهما لصاحبه:
إن شئت رددتها جذعا «٢» وغضب الفريقان جميعا وقالا: ارجعا، السلاح السلاح، موعدكم الظاهرة «٣»، وهي حرّة، فخرجوا إليها، فانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى

(١) أحد أيام الجاهلية التي وقع فيها حرب طاحنة بين الأوس والخزرج.
(٢) أي شابة فتية، يعنون الحرب.
(٣) وهي الحرة: وهي أرض مستوية بظاهر المدينة. والحرة: ذات حجارة سود.

صفحة رقم 21

بعض، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية.
فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم، فقال:
يا معشر المسلمين، أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم، بعد أن أكرمكم الله بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، وألّف بينكم، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا، الله الله، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوّهم، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سامعين مطيعين.
فأنزل الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا- يعني الأوس والخزرج- إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ- يعني شاسا وأصحابه- يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ.
قال جابر بن عبد الله: ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأومأ إلينا بيده، فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا، فما كان شخص أحبّ إلينا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما رأيت يوما أقبح ولا أوحش أولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم «١».
المناسبة:
بعد أن أورد الله تعالى أدلة نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم واعتراضهم على ذلك، وإبطال شبهاتهم ومزاعمهم، وبخهم على إصرارهم على الكفر، وصدهم عن دين الله، مستعملا الخطاب بأهل الكتاب، ليدعوهم باللين إلى تغيير موقفهم من دعوة محمد صلّى الله عليه وسلّم وإيمانهم برسالته، مع علمهم بصدقه وصحة ما جاء به.

(١) أسباب النزول للواحدي: ص ٦٦ وما بعدها، البحر المحيط: ٣/ ١٣

صفحة رقم 22

التفسير والبيان:
قل لهم يا محمد: يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله، وما سبب ذلك، وما دليلكم على موقفكم الرافض دعوة الإسلام، ولأي سبب تصرفون المؤمنين عن جادة الإيمان الذي يرقى بالعقل عن طريق إعمال النظر في الكون، ويزكي الروح بالأخلاق، ويرفع مستوى الإنسان بالأعمال الطيبة الصالحة؟
إنكم بهذا الموقف المعاند القائم على الحسد والاستعلاء والكبر وإلقاء الشبهات الباطلة، تريدون الانحراف عن منهج الحق، والزيغ عن سبيل الاستقامة على الهدى، وأنتم عارفون معرفة تامة بصدق محمد في نبوته، وتقدم البشارة به، وقد غيّرتم وبدّلتم صفاته، وكذبتم على الله، وما الله بغافل عن أعمالكم ومكائدكم، فمجازيكم عليها.
والسبب في ختم الآية الأولى بقوله: وَاللَّهُ شَهِيدٌ... : هو أن العمل الذي فيها وهو الكفر ظاهر مشهود، وأما سبب ختم الآية الثانية بقوله:

وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ فهو أن الصد عن الإسلام كان عن طريق المكر والاحتيال.
وتكرر الخطاب بقوله: يا أَهْلَ الْكِتابِ للتوبيخ بلطف ولين، ولحملهم على الانضمام لدعوة الإسلام المتفقة مع أصول كتبهم الصحيحة.
والآية الأولى لكفهم عن الضلال، والثانية لكفهم عن الإضلال «١».
فقه الحياة أو الأحكام:
إن أصول الأديان واحدة، وغاياتها واحدة، وطريقها بالدعوة إلى التوحيد الإلهي، وسمو الأخلاق والفضائل، وعبادة الله واحدة أيضا، فما على أتباع الأديان إلا أن ينضم بعضهم إلى بعض، دون تمسك بما لديه، وبما أن الإسلام خاتم
(١) تفسير المراغي: ٤/ ١٤

صفحة رقم 23
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية