
في الدنيا، ومصدر الخسران في الآخرة بالحرمان من النعيم المقيم، والعذاب الأليم.
(وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) لأنه أضاع ما جبلت عليه الفطر السليمة من توحيد الله والانقياد له كما
جاء في الحديث «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجسانه»
وخسر نفسه إذ لم يزكها بالإسلام لله، وإخلاص السريرة له كما قال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨٦ الى ٨٩]
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩)
تفسير المفردات
الظلم: هو العدول عن الطريق الذي يجب سلوكه للوصول إلى الحق، واللعن:
الطرد والإبعاد على سبيل السخط، والإنظار: الإمهال والتأخير.
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه حقيقة الإسلام وأنه الدين الذي بعث الله به جميع الأنبياء، ولا يقبل من أحد غيره، أردف ذلك ذكر حال الكافرين به وجزائهم عند ربهم.
أخرج عبد بن حميد وغيره عن الحسن: أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى رأوا نعت محمد ﷺ في كتابهم، وأقروا وشهدوا أنه حق، فلما بعث

من غيرهم حسدوا العرب على ذلك فأنكروه وكفروا بعد إقرارهم حسدا للعرب حين بعث من غيرهم.
وقال عكرمة: هم أبو عامر الراهب والحارث بن سويد في اثنى عشر رجلا رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش، ثم كتبوا إلى أهلهم: هل لنا من توبة؟ فنزلت الآية فيهم، وأكثر الروايات على هذا.
الإيضاح
(كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ؟) أي كيف يسلك الله بمثل هؤلاء سبيل المهتدين بإثابتهم والثناء عليهم، وقد كفروا بعد إيمانهم، وبعد أن شهدوا أن الرسول حق وجاءتهم الشواهد من القرآن وسائر المعجزات التي بمثلها تثبت النبوة؟
وشهادتهم أن الرسول حق كانت بمعرفتهم بشارات الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا عازمين على اتباعه إذا جاء في زمنهم وانطبقت عليه العلامات وظهرت فيه البشارات، لكنهم بعد أن جاءهم بالبينات وظهرت الآيات على يديه كفروا به وعاندوه.
وفي الآية استبعاد لهدايتهم بحسب سنن الله تعالى في البشر، وإيئاس للنبى ﷺ من إيمانهم، فمن سنن الله تعالى في هداية البشر إلى الحق أن يقيم لهم الدلائل والبينات مع إزالة الموانع من النظر فيها على الوجه الذي يؤدى إلى المطلوب، وقد مكن لهم الله من كل هذا من قبل، ومن ثم آمنوا به.
(وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي إن الله لا يهدى أمثال هؤلاء الظالمين لأنفسهم الجانين عليها لأنهم تنكّبوا عن الطريق القويم وتركوا هداية العقل بعد أن ظهر نور النبوة وعرفوه بالبينات.
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي هؤلاء