
وهذا خاص فيمن (١) علم الله عز وجل منهم أنهم لا يؤمنون، وأراد ذلك منهم.
٨٧ - قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [آل عمران: ٨٧].
قال ابن عباس (٢): يريد: المؤمنين (٣). فعلى هذا؛ ﴿النَّاسِ﴾، خاصٌ؛ ولكنَّه لمَّا ذكر الثلاثة، قيل: ﴿أَجْمَعِينَ﴾.
وقال الزجاج (٤): معنى (لَعْن الناسِ أجمعين لهم): أن بعضَهم يوم القيامةِ يَلعَنُ بعضًا، ومَن خالَفَهم؛ يلعنهم في الدنيا. فقد استقرَّت عليهم لعنةُ الجميع، وإن كان على التفريق.
٨٨ - قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ نصبٌ على الحال مما قبله، وهو قوله: ﴿عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ﴾ (٥).
(٢) لم أقف على مصدر قوله.
(٣) ورد هذا -كذلك- عن قتادة، والربيع.
وقيل: اللفظ على إطلاقه، وأن الكافرَ يلعنه الناسُ جميعًا يوم القيامة. وهو قول أبي العالية. وكذا قال مقاتل بالعموم.
وقيل: هي قول القائل: (لعنة الله على الظالم)، فتجب تلك اللعنة للكافر؛ لأنه ظالم، فكل أحد من الخلق يلعنه. وهو مروي عن السدي.
ورجح هذا الطبري، وجعل بمعناه قول أبي العالية السابق. واستدل له بقوله -تعالى-: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨].
انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ٢٨٨، "تفسير الطبري" ٣/ ٣٤٣، "معاني القرآن" للنحاس: ١/ ٤٣٤، "المحرر الوجيز" ٣/ ٢٠٦، "الدر المنثور" ٢/ ٨٧، "روح المعاني" ٢/ ٢٩، عند تفسير آية: ١٦١ من سورة البقرة، وهي نظير هذه الآية.
(٤) في "معاني القرآن" له ١/ ٤٤٠. نقله عنه بنصه.
(٥) انظر: "المشكل" لمكي ١/ ١٦٩، "التبيان" للعكبري: ٢٠٠.

وقوله تعالى: ﴿فِيهَا﴾ قال ابن عباس (١): في جهنم.
فعلى هذا؛ الكنايةُ (٢) عن (٣) غيرِ مَذْكورٍ (٤).
وقال الزجاج (٥): أي: فيما توجبه اللعنة؛ [أي: في عذاب اللعنة] (٦).
وقال بعضهم (٧): الكناية راجعة إلى اللعنة.
ومعنى (خلودهم في اللعنة): استحقاقهم دائمًا لها، مع ما (٨) توجبه من أليم العقاب، بدوامها.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ معنى (الإنظار): تأخير العبد، ليُنظَرَ في أمره (٩)؛ أي: لا (١٠) يُؤخرون عن وقتهم المؤقت (١١) لعذابهم.
(٢) الكناية؛ هي: الضمير.
(٣) في (ج): (من).
(٤) قال ابن عطية: (وقرائن الآية تقتضي أن هذه اللعنة مخلدة لهم في جهنم، فالضمير عائد على النار، وإن كان لم يجر لها ذكر؛ لأن المعنى يفهمها في هذا الموضع.). "المحرر الوجيز" ٣/ ٢٠٧.
(٥) في "معاني القرآن" له: ١/ ٤٤٠. نقله عنه بتصرف.
(٦) ما بين المعقوفين زيادة من: (ج).
(٧) ممن قال بذلك: مقاتل، في "تفسيره" ١/ ٢٨٨.
(٨) في (أ)، (ب)، (ج): (معما). وما أثبتُّه هو الموافق للرسم الإملائي؛ لأن (ما) اسمية موصولة، ولا توصل بـ (مع)، وإنما قيل: إن (ما) الحرفية الزائدة توصل بـ (مع). انظر: "كتاب الإملاء". لحسين والي: ١٠٦، ١١٠.
(٩) الإنظار -لغة-: التأخير والإمهال. يقال: (أنْظَرتُه، أُنْظِرُه). وتقول: (أنْظِرْني): أمهلني. انظر: "نزهة القلوب" للسجستاني: ٧٢، "العمدة في غريب القرآن" لمكي: ٨١، "اللسان" ٧/ ٤٤٦٧ (نظر).
قال ابن عطية: (ولا يجوز أن يكون ﴿يُنْظَرون﴾ -هنا- نظر العين، إلا على توجيه غير فصيح، لا يليق بكتاب الله -تعالى-). "المحرر الوجيز" ٣/ ٢٠٧.
(١٠) في (ب): (ما).
(١١) في (ب): (الوقت).