آيات من القرآن الكريم

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﰿ

طريق التعظيم، وخص (الْعَزِيزُ) تنبيهاً أنه تعالى مستغن عن
التكثر بالولد على ما تقدم، وفيه تنبيه أنه أظهر عزته عما ينسب
إليه من الولد بما قدمه من الحجة، وأنه حكيم لا يفعل ما ينافي
حكمته، واتخاذ الولد مما ينافي حكمته.
قوله عز وجل: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣)
أي إن أعرضوا عن الإِصغاء إلى الحق والتزامه، وعن الإِجابة إلى
المباهلة، فإن حالهم في كونهم مفسدين ظاهرة، وعقوبتهم
واجبة، فهو تعالى معاقبهم.
قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)
قال محمد بن جعفر والحسن والسدّي: عنى بأهل الكتاب هاهنا

صفحة رقم 610

نصارى نجران، وقال قتادة والربيع: عنىِ يهود المدينة.
وقيل: عنى الفريقين، لقوله في ذمهما: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)

صفحة رقم 611

و (سَوَاءٍ) وسوى: وسط، ويعني به العدل.
وقول الربيع وأبي العالية (كَلِمَةٍ سَوَاءٍ)
هي لا إله إلا الله، فصحيح، لأن أبلغ العدالة التوحيد، وهي

صفحة رقم 612

الكلمة التي يجب أن يتساوى الناس فيها، وفي أن يكونوا
عابدين غير معبودين، بخلاف ما ادعته النصارى، ونبه بقوله:
لا نشرك أن قولهم يقتضى الشرك، وإن كانوا منكرين أنهم
مشركون، وموضع (أَلَّا نَعْبُدَ) خفض بدل من كلمةِ، أو رفع
على أنه خبر ابتداء مضمر، كأنه قيل: وهي ألا نعبد، ولو
رُفع سواء، نحو قوله (سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ) جاز

صفحة رقم 613

وكذلك يجوز رفع (أَلَّا نَعْبُدَ) على معنى: أنه لا نعبد.
وقال بعض الصوفية: نبهّنا الله تعالى بهذه الآية على طريق
التعبد، وأن لا نقصد بسرنا سواه عند عبادته، ولا نفزع في شيء
من الحاجات إلى غيره، فنكون كمن وصفه النبي - ﷺ - "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم ".
إن قيل: فأي حجة في قوله: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا) قيل: إنه تعالى أدبنا بأن المعاند متى لزمته الحجة وبانت له المحجة فليس إلا التقضي منه وترك

صفحة رقم 614

محجته وملاحاته.
إن قيل: كيف قال: (وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) وكلاهما أفاد ما أفاد قوله (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ)؟
قيل: ليس كذلك، فإن الشرك بالله قد يكون في غير العبادة.
ألا ترى أن النبي - ﷺ - قال:

صفحة رقم 615

"الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء".
من ذلك قول القائل: لولا الديك لأتانا اللص.
وقال تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ).
وقوله: (وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ).
فقد شرط من دون الله

صفحة رقم 616
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية