آيات من القرآن الكريم

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﰿ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ

شيئا أيها الناس ولا ترتابوا في خلقه على تلك الصورة «ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (٥٩) أي فكان كما كان، وكذلك خلق عيسى وحواء بكلمة كن فكانا كما أراد الله. واعلم يا سيد الرسل أن الذي تلوناه عليك في هذا وغيره هو «الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ» (٦٠) في هذا التمثيل أيها السامع والناقل، لأن الخطاب فيه عام لكل من يتأتى منه السمع والخطاب، وإن كان لحضرة الرسول لأن المراد به غيره وساحته بريئة من الامتراء والشك والتردد في كل ما جاء به عن ربه، فيفهم مما ذكر في هذه الآيات أن الدعوة إلى الله لا بد لها من أنصار كاملي العقيدة مخلصين مطيعين موادين، وأن الإيمان المجرد لا يكفي ما لم يقترن بعمل صالح. وتشير إلى أن تدبير الله لعباده فوق كل تدبير، فإذا شمل عبدا برعايته حفظه من كل كيد، وأنّ الوفاة في هذه الآية ليست بمعنى الموت، قال تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) الآية ٤٢ من سورة الزمر في ج ٢، وهذا فارق بين الموت والوفاة. والحكم الشرعي: وجوب الاعتقاد بأن خلق عيسى بن مريم بمجرد كلمة كن، وإن رفعه للسماء حيا حق لا مرية فيه، وأن كل جدل في هذا الموضوع يؤدي إلى خلاف هذا فهو كفر.
قال تعالى «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ» في عيسى من جهة خلقه ورفعه «مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ» بأنه كما ذكره الله لك يا سيد الرسل «فَقُلْ تَعالَوْا» أيها المجادلون المخاصمون بذلك «نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ» نحن وأنتم بأن نتضرع إلى الله ونجهد أنفسنا بالدعاء «فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ» (٦١) منا ومنكم.
مطلب في المباهلة ما هي وعلى أي شيء صالح رسول الله وقد نجوان وحكاية أسير الروم.
والمباهلة الملاعنة أي ليدع كل منها ربه بأن يلعن الكاذب في قوله، فقال له وقد نجران انظرنا وقتا مناسبا كي ننظر في الأمر ونتداول بيننا ونرجع إليك، فأمهلهم، فذهبوا إلى مقرهم وتذاكروا بينهم وقالوا فقد عرفنا من هذه الآيات وما تقدمها أنه نبي مرسل، وأنا إن باهلناه هلكنا، فأجمع رأيهم على عدم المباهلة

صفحة رقم 350

والانصراف إلى بلدهم، فجاءوا إليه من الغد فإذا هو محتضن الحسن والحسين وبيده فاطمة وعلي عليهما السلام خلفه وهو يقول لهم إذا دعوت فأمنوا، فقال لهم أسقفهم يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله، والله إن باهلتموه فلا يبقى على وجه الأرض نصراني، فأقدموا عليه وقالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نباء لك وتتركنا على ديننا، فقال إن أبيتم فأنا لا اضطركم على المباهلة ولكن أريد منكم أن تسلموا، قالوا لا نسلم، فقال أنا جزكم، قالوا لا طاقة لنا يحربكم ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا ونؤدي لك ألف حلّة في صفر وألف حلة في رجب وثلاثة وثلاثين درعا وثلاثة وثلاثين بعيرا وأربعا وثلاثين فرسا، فرضي منهم وتركهم، لأنه لم يؤمر بقتالهم إذا رضخوا للجزية، ولم يؤمر بحملهم على الإيمان به. حكي أن بعض العلماء أسر في بلاد الروم فباحثهم في عبادة عيسى عليه السلام، قالوا نعبده لأنه لا أب له، فقال لهم آدم لا أب له ولا أم فهو أولى بالعبادة، قالوا لم يكن آدم يحيي الموتى، فقال إذا حزقيل أولى لأنه أحيا أربعة آلاف (راجع الآية ٢٤٣ من سورة البقرة المارة لتقف على قصتهم) وعيسى لم يحي إلا أربعة، قالوا لم يكن يبرىء الأكمه والأبرص قال إذا جرجيس أولى لأنه طبخ وأحرق ثم قام سليما، قالوا لم يرفع إلى السماء، قال فأدريس أولى لأنه رفع قبله، فلم يعتبروا، ومن يضلل الله فما له من هاد.
قال تعالى «إِنَّ هذا» الذي قصصنا عليك يا سيد الرسل «لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ» الذي لا مرية فيه «وَما مِنْ إِلهٍ» يستحق العبادة في الكون كله «إِلَّا اللَّهُ» لا عيسى ولا عزير ولا الملائكة ولا غيرهم كما يزعم أهل الكتاب وبعض المشركين العرب وغيرهم، وما ذلك إلا نقص في عقولهم، وخاصة الأصنام فلا يعبدها من فيه ذرة من عقل لأنها معرضة للهوان والذل، ومحتاجة إلى الحفظ من عابديها «وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ» الغالب العظيم «الْحَكِيمُ» (٦٢) البالغ في الحكمة الذي لا رب غيره «فَإِنْ تَوَلَّوْا» عنك وفد نجران وغيرهم ولم يقبلوا نصحك وإرشادك بعد ما تبين لهم الحق فهم قوم ميالون للفساد فأعرض عنهم «فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ» (٦٣) لا يخفى عليه شيء من أحوالهم، فيا سيد الرسل أدعهم أولا

صفحة رقم 351

إلى المساواة معك بأن «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ» لعلهم يؤمنون بك وينقادون لأمرك «فَإِنْ تَوَلَّوْا» بعد هذا أيضا وأعرضوا عن الإجابة بعد أن سويتهم بنفسك «فَقُولُوا» لهم أنت وأصحابك «اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (٦٤) لله وحده ومنقادون لأمره وأنتم وشأنكم. كررت هذه الآية المبدوءة بنا أهل الكتاب ست مرات في القرآن العظيم، هذه والآيتان الآتيتان ٦٩ و ٧٠ وفي الآية ١٧٠ من سورة النساء وفي الآيتين ١٦ و ٢١ من سورة المائدة الآتيتين. ثم ان وفد نجران تلاحى مع اليهود لقولهم إن إبراهيم كان نصرانيا بسبب قولهم إنه كان يهوديا وكل منهم يحتج بكتابه لذكره فيه فأكذبهم الله بقوله «يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ» وتتخاصمون من أجله «وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ» التي تدينون بها أيها اليهود «وَالْإِنْجِيلُ» الذي تدينون به أيها النصارى «إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ» فكيف تدعون أنه كان من أحدكم ولم تحدث اليهودية ولا النصرانية إلا من بعده، فكلاكما مبطل في دعواه لأن المدة الطويلة الكائنة بين إبراهيم ونزول الكتابين إليكم دليل قاطع على كذبكم، وأن مجرد ذكره فيهما لا يدل على أنه كان يهوديا أو نصرانيا أو أنه كان يدين بهما بل كان يتعبد بما ألهمه الله وبما أنزل عليه من الصحف وبالصحف المنزلة قبله على آدم وشيث فمن بعدهما «أَفَلا تَعْقِلُونَ» (٦٥) هذا فتتنازعون فيه «ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ»
من كتبكم من أمر موسى وعيسى، ولا مانع من ذلك لأن لكم فيه بعض العلم بما هو موجود في كتبكم «فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ» من أمر إبراهيم الذي أغفله كتاب كل منكم ولم تعلموا من أمره على ما هو عليه شيئا فاتركوا هذا ولا تخوضوا بشيء لا تعلمونه «وَاللَّهُ يَعْلَمُ» ما كان عليه إبراهيم من الدين وقد أخبر به رسوله «وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (٦٦) شيئا عنه، ثم إن الله تعالى أعلمهم بأنه بريء ومنزه مما قالوا فقال «ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا» يوما من الأيام كما زعمتم «وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً»

صفحة رقم 352
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية