
الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨) }
شرح الكلمات:
﴿أَحَسَّ١ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾ : علم منهم الكفر به وبما جاء به، وهمهم بأذيته.
﴿الْحَوَارِيُّونَ٢﴾ : جمع حواري، والمراد بهم أصفياؤه وأصحابه.
﴿مُسْلِمُونَ﴾ : منقادون لأمر الله ورسوله مطيعون.
﴿الشَّاهِدِينَ﴾ : الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، ويعبدونه بما يجب أن يعبد به.
مكروا: دبروا القتل للمسيح عليه السلام.
﴿وَمَكَرَ اللهُ﴾ : دبر تعالى لإنجائه وخيبهم فيما عزموا عليه.
﴿خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ : أحسن المدبرين لإنقاذ أوليائه وإهلاك أعدائه.
﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ : متمم لك ما كتب لك من أيام بقاءك مع قومك.
﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ : إلي جواري في الملكوت الأعلى.
﴿وَمُطَهِّرُكَ﴾ : منزهك ومبعدك من رجسهم وكفرهم.
﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ﴾ : ذلك المذكور من أمر عيسى نقرؤه عليك من جملة آيات القرآن الحكيم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحجاج مع وفد نصارى نجران فذكر تعالى من شأنه أنه لما علم عيسى بكفر قومه وهمهم بقتله غيلة استصرخ المؤمنين قائلاً: ﴿مَنْ أَنْصَارِي٣ إِلَى اللهِ﴾ فأجابه الحواريون وهم أصفياؤه وأحباؤه قائلين: ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ﴾ آمنا بالله واشهد يا روح الله بأنا مسلمون: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ٤ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ لك بالوحدانية
٢ كانوا اثني عشر رجلاً، وسمى الناصر للنبي حواريا لبياض قلبه وصفاء روحه، وفي الحديث "لكل نبي حواري وجواري الزبير "، والحور لغة: البياض، والحواري: الخبز الأبيض.
٣ هل (إلى) هنا بمعنى مع، أي: من أنصاري مع الله نظيره: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ أي: مع أموالكم، أو هي على بابها، ويكون الكلام "من أنصاري" في الطريق إلى الله؟.
٤ أي: عيسى عليه السلام.

ولرسلك بالرسالة. قال تعالى: ونفذ اليهود مكرهم في محاصرتهم لمنزل عيسى ليأخذوه ويصلبوه، ومكر الله تعالى وهو خير الماكرين إذ قال لعبده ورسوله عيسى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ أي: قابضك ورافعك إلى جواري، فقبضه تعالى فأخرجه من روزنة١ المنزل ورفعه٢ إليه وألقى الشبه على رئيس شرطة المهاجمين فظنوه هو المسيح فقتلوه وصلبوه فسبحان المدبر الحكيم، وهكذا: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ٣﴾، وقوله له: ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يريد منزهه من تهم اليهود الباطلة، إذ قالوا ساحر وابن زنا، ومبعده من ساحة مجتمعهم الذي تعفن بكفرهم والخبث والشر والفساد وواعده بأنه سيجعل الذين اتبعوه فيما جاء به من الإيمان والإسلام والإحسان فوق الذين كفروا بذلك إلى يوم القيامة وقد أنجز الله تعالى وعده فأعز أهل الإسلام ونصرهم، وأزل اليهود والكفار وأخزاهم. كما واعده أيضاً أن يرد الجميع إليه يوم القيامة ويحكم بينهم فيما اختلفوا فيه في الدنيا من الإيمان والكفر، والصلاح والفساد ويجزي كل فريق بما كسب من خير أو شر فقال: ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ، فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً﴾ في الدنيا بالقتل والسباء والذلة والمسكنة، وفي الآخرة بعذاب النار، وما لهم من ناصرين يخلصهم من عذابنا، وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجور إيمانهم وصالح أعمالهم في الدنيا نصراً وتمكيناً وفي الآخرة جنات ونعيماً، والله عز وجل لا يحب الظالمين فكيف يظلم عباده إذ جزاهم بأعمالهم؟ إنه لا يظلم أحداً من عباده مؤمنهم وكافرهم مثقال ذرة بل يجزي بعدله ويرحم بفضله
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- قيام الحجة على نصارى نجران، إذ أخبرهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالوحي فقرر به بطلان ألوهية عيسى عليه السلام بذكر أوصافه وأحواله مع قومه، وكرامة الله تعالى له، ولاتباعه معه ومن بعده في الدنيا والآخرة.
٢ لم أر داعياً إلى استشكال الكثيرين رفع عيسى حياً إلى الملكوت الأعلى وإبقاءه هناك إلى أن ينزله في آخر أيام هذه الدنيا، حيث صرح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنزول عيسى بما لا مجال للشك فيه، إن السنن الكونية خلقها الله تعالى فهو قدير على تبديل ما شاء منها أليس الله على كل شيء قديراً؟ بلى. فلم إذاً يرتبك المؤمنون في شأن رفع عيسى حياً وإبقائه في دار السلام حياً حتى ينزل في آخر الدنيا؟.
٣ ورد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في دعائه: "اللهم امكر لي ولا تمكر عليّ " ومما يجب أن يعلم أن أفعال الله لا تشبه أفعال العباد لأن ذاته لا تشبه ذواتهم.