آيات من القرآن الكريم

۞ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ

التَّأْكِيدُ بِمُجَرَّدِ تَقَدُّمِ مَضْمُونِهِ، فَتَكُونُ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ اعْتِبَارَانِ يَجْعَلَانِهَا بِمَنْزِلَةِ جُمْلَتَيْنِ، وَلِيُبْنَى عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ قَوْلَهُ: وَأَطِيعُونِ بِحَذْفِ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ، وَقَرَأَهُ يَعْقُوبُ: بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِيهِمَا.
وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ إِنَّ مَكْسُورَةُ الْهَمْزَةِ لَا مَحَالَةَ، وَهِيَ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ بِالتَّقْوَى وَالطَّاعَةِ كَشَأْنِهَا إِذَا وَقَعَتْ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ كَقَوْلِ بَشَّارٍ.

بَكِّرَا صَاحِبَيَّ قَبْلَ الْهَجِيرِ إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ
وَلِذَلِكَ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَهُوَ لِكَوْنِهِ رَبَّهُمْ حَقِيقٌ بِالتَّقْوَى، وَلِكَوْنِهِ رَبَّ عِيسَى وَأَرْسَلَهُ تَقْتَضِي تَقْوَاهُ طَاعَةَ رَسُولِهِ.
وَقَوْلُهُ: فَاعْبُدُوهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الرُّبُوبِيَّةِ، فَقَدْ جَعَلَ قَوْلَهُ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي تَعْلِيلًا ثُمَّ أَصْلًا لِلتَّفْرِيعِ.
وَقَوْلُهُ: هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا قَالَهُ كُلِّهِ أَيْ أَنَّهُ الْحَقُّ الْوَاضِحُ فَشَبَّهَهُ بِصِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ لَا يَضِلُّ سَالِكُهُ وَلَا يتحير.
[٥٢، ٥٣]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : الْآيَات ٥٢ إِلَى ٥٣]
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣)
آذَنَ شَرْطُ لَمَّا بِجُمَلٍ مَحْذُوفَةٍ، تَقْدِيرُهَا: فَوُلِدَ عِيسَى، وَكَلَّمَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ بِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ مَرْيَمَ، وَكَلَّمَ النَّاسَ بِالرِّسَالَةِ. وَأَرَاهُمُ الْآيَاتِ الْمَوْعُودَ بِهَا، وَدَعَاهُمْ إِلَى التَّصْدِيقِ بِهِ وَطَاعَتِهِ، فَكَفَرُوا بِهِ، فَلَمَّا أَحَسَّ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ إِلَى آخِرِهِ. أَيْ أَحَسَّ الْكُفْرَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِدَعْوَتِهِ فِي قَوْله: وَأَطِيعُونِ [آل عمرَان: ٥٠] أَيْ

صفحة رقم 254

سَمِعَ تَكْذِيبَهُمْ إِيَّاهُ وَأُخْبِرَ بِتَمَالُئِهِمْ عَلَيْهِ. «وَمِنْهُم» مُتَعَلق بأحسّ. وَضَمِيرُ مِنْهُمْ عَائِدٌ إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ الْمَقَامِ يُفَسِّرُهُ وَصْفُ الْكُفْرِ.
وَطلب النَّصْر الْإِظْهَار الدَّعْوَةِ لِلَّهِ، مَوْقِفٌ مِنْ مَوَاقِفِ الرُّسُلِ، فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ نُوحٍ
«فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» وَقَالَ مُوسَى: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي [طه: ٢٩] وَقَدْ عَرَضَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ لِيَنْصُرُوهُ حَتَّى يُبَلِّغَ دَعْوَةَ رَبِّهِ.
وَقَوْلُهُ: قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ لَعَلَّهُ قَالَهُ فِي مَلَإِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِبْلَاغًا لِلدَّعْوَةِ، وَقَطْعًا لِلْمَعْذِرَةِ. وَالنَّصْرُ يَشْمَلُ إِعْلَانَ الدِّينِ وَالدَّعْوَةَ إِلَيْهِ. وَوَصَلَ وصف أَنْصَارِي بإلى إِمَّا عَلَى تَضْمِينِ صِفَةِ أَنْصَارٍ مَعْنَى الضَّمِّ أَيْ مَنْ ضَامُّونَ نَصْرَهُمْ إِيَّايَ إِلَى نَصْرِ اللَّهِ إِيَّايَ، الَّذِي وَعَدَنِي بِهِ إِذْ لَا بدّ لِحُصُولِ النَّصْرِ مِنْ تَحْصِيلِ سَبَبِهِ كَمَا هِيَ سُنَّةُ اللَّهِ: قَالَ تَعَالَى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [مُحَمَّد: ٧] عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ [النِّسَاء: ٢] أَي ضامّينها فَهُوَ ظَرْفُ لَغْوٍ، وَإِمَّا عَلَى جَعْلِهِ حَالًا مِنْ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمَعْنَى فِي حَالِ ذَهَابِي إِلَى اللَّهِ، أَيْ إِلَى تَبْلِيغِ شَرِيعَتِهِ، فَيَكُونُ الْمَجْرُورُ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا. وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَالْكَوْنُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْمَجْرُورُ هُوَ كَوْنٌ مِنْ أَحْوَالِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَأْتِ الْحَوَارِيُّونَ بِمِثْلِهِ فِي قَوْلِهِمْ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ.
وَالْحَوَارِيُّونَ: لَقَبٌ لِأَصْحَابِ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَلَازَمُوهُ، وَهُوَ اسْمٌ مُعَرَّبٌ مِنَ النَّبَطِيَّةِ وَمُفْرَدُهُ حَوَارِيٌّ قَالَهُ فِي الْإِتْقَانِ عَنِ ابْنِ حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ وَلَكِنَّهُ ادَّعَى أَنَّ مَعْنَاهُ الْغَسَّالُ أَيْ غَسَّالُ الثِّيَابِ.
وَفَسَّرَهُ عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ بِأَنَّهُ مَنْ يَكُونُ مِنْ خَاصَّةِ مَنْ يُضَافُ هُوَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَرَابَتِهِ.
وَغَلَبَ عَلَى أَصْحَابِ عِيسَى
وَفِي الْحَدِيثِ قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيءٍ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ»
. وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ فِي احْتِمَالَاتِ اشْتِقَاقِهِ وَاخْتِلَافِ مَعْنَاهُ وَكُلُّ ذَلِكَ إِلْصَاقٌ بِالْكَلِمَاتِ الَّتِي فِيهَا حُرُوفُ الْحَاءِ وَالْوَاوِ وَالرَّاءِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ.

صفحة رقم 255
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية