آيات من القرآن الكريم

قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ

(قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ (٤٠)
يحتمل هذا الكلام وجوهًا:
أحَدها: على الإنكار، أي: لا يكون، لكن هاهنا لا يحتمل؛ لأنه كان أعلم باللَّه وقدرته أن ينطق به، أو يخطر بباله.
والثاني: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) أي: كيف وجهه ولسببه، وكذلك قوله: (أَنى لَك هَذَا)، وقوله: (أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)، (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا)، أي: كيف وجهه وما سببه.
والثالث: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) في الحال التي أنا عليها، أو أردّ إلى الشباب؛ فيكون لي الولد.
هذان الوجهان يحتملان، وأمَّا الأول فإنه لا يحتمل.
وقوله: (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ)
وذكر في سورة مريم: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا): ذكر على التقديم والتأخير.
وكذلك قوله: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا) أو (ثَلَاثَ لَيَالٍ)، والقصة واحدة؛ ذكر على التقديم والتأخير، وعلى اختلاف الألفاظ واللسان؛ دل أنه ليس على الخلق حفظ اللفظ واللسان؛ وإنما عليهم حفظ المعاني المدرجة المودعة فيها، وبالله التوفيق، ويعلم أنه لم يكن على كلا القولين، ولم يكن بهذا اللسان.
وقوله: (قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)، وقوله: (كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)، وإن اختلف في اللسان.
وقوله: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً (٤١)
طلب من ربِّه آية؛ لما لعله لم يعرف أن تلك البشارة بشارة الملائكة، أو وساوس؛ فطلب آية ليعرف أن تلك البشارة بشارة الملائكة من اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لا بشارة إبليس؛ لأنه لا يقدر أن يفتعل في الآية؛ لأن فيها تغير الخلقة والجوهر، وهم لا يقدرون على،

صفحة رقم 365

ذلك، ولعلهم يقدرون على الافتعال في البشارة؛ ألا ترى أن إبراهيم - صلوات اللَّه على نبينا وعليه - لما نزل به الملائكة لم يعرفهم بالكلام وهابوه، حتى قال: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ)، حتى قالوا: (إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ)، فذهب ذلك الروع منه بعد ما أخبروه أنهم ملائكة، رسل اللَّه، أرسلهم إليه.
وقوله: (قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا)
قال بعض أهل التفسير: حبس لسانه عقوبة له بقوله: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ)؛ لكن ذلك خطأ، والوجه فيه: منعه من تكليم الناس، ولم يمنعه عن الكلام في نفسه؛ ألا ترى أنه أمره أن يذكر ربَّه، ويسبح بالعشي والإبكار؛ كقوله: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)؟!.
ويحتمل أن يكون أراه آية في نفسه من نوع ما كان سؤاله؛ إذ كان عن العلم بالولد في غير حينه، فأراه بمنع اللسان عن النطق، وأعلى أحوال الاحتمال؛ ليكون آية للأوّل.
وقيل في قوله: (اجْعَلْ لِي آيَةً): أنه طلب آية؛ لجهله بعلوق الولد، وجعلها ليعرف متى يأتيها؟.
وقوله: (إِلَّا رَمْزًا): قيل: الرّمز: هو تحريك الشفتين.
وقيل: هو الإيماء بشفتيه.
وقيل: هو الإشارة بالرأس.
وقيل: هو الإشارة باليد، واللَّه أعلم بذلك.

صفحة رقم 366
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية