آيات من القرآن الكريم

قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ

٤- مشروعية١ النذر لله تعالى وهو التزام المؤمن الطاعة تقرباً إلى الله تعالى.
٥- بيان فضل الذكر على الأنثى في باب النهوض بالأعمال والواجبات.
٦- جواز التحسر والتأسف لما يفوت العبد من الخير الذي كان يأمله.
٧- ثبوت كرامات الأولياء كما تم لمريم في محرابها.
٨- تقرير نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ مثل هذه القصص لا يتأتى لأمي أن يقصه إلا أن يكون رسولاً يوحى إليه. ولهذا ختمه بقوله: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ﴾.
﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾
شرح الكلمات:
﴿هُنَالِكَ﴾ : ثم عندما٢ رأى كرامة الله لمريم عليها السلام.
﴿زَكَرِيَّا﴾ : أحد أنبياء بني إسرائيل ورسلهم.
﴿هَبْ لِي﴾ : أعطني.

١ ذكر القرطبي: أن ولداً قال لأمه: يا أمة ذريني لله أتعبد له وأتعلم العلم له. فقالت: نعم. فسار يتعبد ويطلب العلم فلما كمل في علمه وحاله آتاها فطرق الباب. فقالت: من؟ فقال: ابنك فلان، فقالت: قد تركتك لله فلا نعود فيك.
٢ أي: في ذلك المكان، وهو المحراب. تنبه إلى الدعاء لما شاهد من خوارق العادات فدعا طالباً الولد فاستجاب الله تعالى له، ولا يقال: كيف يأخذ الرسول على من دونه ومن امرأة بالذات؟ فإن الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها التقطها، وأهل الكمال من الناس يعتبرون دائماً بما يرون ويسمعون.

صفحة رقم 312

﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾ : من عندك.
﴿ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ : أولاداً أطهاراً صالحين.
﴿بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ﴾ : هي: عيسى عليه السلام؛ لأنها كان بكلمة الله تعالى: "كن".
﴿وَسَيِّداً١ وَحَصُوراً٢﴾ : شريفاً ذا علم وحلم، ولا رغبة له في النساء لقلة مائه.
﴿غُلامٌ﴾ : ولد ذكر.
﴿عَاقِرٌ٣﴾ : عقيم لا تلد لعقهما وعقرها.
﴿آيَةً﴾ : علامة أستدل بها على بداية الحمل لأشكر نعمتك.
﴿إِلا رَمْزاً﴾ : إلى إشارة بالرأس أو باليد يفهم منها ما يفهم من الكلام.
﴿َالإِبْكَارِ﴾ : أول النهار، والعشي: آخره.
معنى الآيات:
لما شاهد زكريا من كرامات الله لمريم أنها تؤتى بفاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، ذكر أن الله تعالى قد يعطي ما شاء لمن يشاء على غير نظام السنن الكونية، فكبر سنه وعقم امرأته لا يمنعان أن يعطيه الله تعالى ولداً، فسأل ربه الولد فاستجاب٤ له ربه فبشرته الملائكة بالولد وهو قائم يصلي في محرابه قائلة: أن الله يبشرك بولد اسمه يحي٥ مصدقاً بكلمة من الله يريد أنه يصدق بعيسى بن مريم ويكون على نهجه، لأن عيسى هو الكلمة إذا قال بقول تعالى له: "كن" فكان، ووصفه بأنه سيد ذو علم وحلم وتقى وحصور لا يأتي٦ النساء، ونبي من الصالحين، فلما سمع البشارة من الملائكة جاءه الشيطان وقال له: إن الذي سمعته من البشرى هو من الشيطان ولو كان من الرحمن لأوحاه إليك وحياً، وهنا أراد زكريا أن يتثبت من الخبر فقال: ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي

١ السيد في عرف الشرع: من يقوم بإصلاح حال الناس في دنياهم وآخراهم معاً، وشاهده قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" وقوله في الحسن: "إن ابني هذا سيد".
٢ قال المفسرون في الحصور أقوالاً كثيرة: أمثلها أنه كان معصوماً من الفواحش والقاذورات، وغير مانعة ذلك من تزويج النساء الحلال وغشيانهم وإيلادهن، إذ يفهم من دعاء زكريا المتقدم أنه يكون له أولاد طيبون صالحون.
٣ مأخود من عقرت المرأة رحمها، أي: قطعتها فلم تحبل ولم تلد، وهو وصف خاص بالنساء، فلذا يقال: عاقر ولا يلبس، إذ لا يوجد في الرجال عاقر حتى يفرق بينهما بالتاء.
٤ الفاء في قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ﴾ هي للترتيب، أي: فور دعاؤه استجاب الله تعالى له، وفيها معنى السببية أيضاً: أي: بسبب دعاؤه أعطاه والله على ما يشاء قدير.
٥ يحي: معرب يوحنا بالعبرانية نطق بها العرب على صيغة المضارع.
٦ هذا قول الجمهور وقد تقدم في النهر ما هو أمثل ما قيل في الحصور مراعاة لكمال الأنبياء وعلو مقاماتهم.

صفحة رقم 313

عَاقِرٌ} فأوحى إليه: أن هذا فعل الله والله يفعل ما يشاء. وهنا قال زكريا: رب اجعل لي آية يريد علامة يستدل بها على وجود الحمل ليستقبل النعمة بالشكر فأجابه ربه قائلاً: ﴿آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ﴾ يريد أنك تصبح وأنت عاجز عن الكلام لمدة ثلاثة أيام، فلا تقدر أن تخاطب أحداً إلا بالإشارة وهي الرمز فيفهم عنك، وأمره تعالى أن يقابل هذا الإنعام بالشكر التام فقال له: ﴿وَاذْكُرْ١ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ﴾ يريد صل بالعشي آخر النهار والإبكار أوله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- الاعتبار بالغير، إذ زكريا دعا بالولد لما رأى كرامة الله تعالى لمريم.
٢- مشروعية الدعاء وكونه سراً أقرب إلى الإجابة، وكونه في الصلاة كذلك.
٣- جواز تلبيس إبليس على المؤمن، ولكن الله تعالى يذهب كيده ووسوسته.
٤- جواز سؤال الولد الصالح.
٥- كرامات الله تعالى لأولياؤه –استجابة دعاؤهم.
٦- فضل الإكثار من الذكر، وفضيلة صلاتي الصبح والعصر وفي الحديث: "من صلى البردين دخل الجنة".
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) ﴾

١ روى عن كعب القرظي قوله: لو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا إذ جعل له آية الولد له ألا يكلم الناس ثلاثة أيام إلارمزا، ولم يعفه من الذكر بل أمره بقوله: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾ ولرخص للرجل في الحرب، إ ذ قال تعالى: ﴿إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً﴾.

صفحة رقم 314
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية