آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ

المعنى:
قل لهم يا محمد: إن كنتم تحبون الله حقيقة فاتبعوني فإن ما جئت به من عنده مبين لصفاته وأوامره ونواهيه، والمحب الصادق حريص على معرفة المحبوب ومعرفة أمره ونهيه ليتقرب إليه بامتثال أمره واجتناب نهيه، فإن اتبعتمونى يحببكم الله ويوفقكم ويهديكم إلى سواء السبيل ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. قل لهم، أطيعوا الله باتباع كلامه، والرسول باتباع سنته والاهتداء بهديه واقتفاء أثره، فإن تولوا وأعرضوا ولم يجيبوك لدعوتك غرورا منهم بدعواهم محبون لله وأنهم أبناؤه فاعلم أن الله لا يحب الكافرين الذين لا ينظرون في آيات الله ويهتدون إلى الدين الحنيف.
اصطفاء الأنبياء وسلالتهم [سورة آل عمران (٣) : الآيات ٣٣ الى ٣٧]
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧)

صفحة رقم 225

المفردات:
اصْطَفى: اختار. ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ الذرية: تطلق على الأولاد، والمراد ذرية شبه بعضها بعضا. مُحَرَّراً: معتقا خالصا للعبادة وخدمة المسجد.
أُعِيذُها العوذ: الالتجاء إلى الغير، ومعنى الاستعاذة بالله: الالتجاء إليه، وتكون بالدعاء والرجاء.
المناسبة:
لما بين الله أن محبته متوقفة على اتباع الرسول وأن طاعة الله مقرونة بطاعة الرسول، ناسب أن يبين الرسل ومن اصطفاهم من الخلق.
المعنى:
إن الله اختار آدم أبا البشر: خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة بالسجود له وأسكنه الجنة وهبط منها لحكمة، الله يعلمها، واصطفى نوحا وجعله أول رسول بعث إلى الناس لما عبدوا الأوثان. وانتقم له بإغراقهم ونجاته هو ومن اتبعه، واصطفى آل إبراهيم ومنهم سيد البشر وخاتم الأنبياء، واصطفى من ذرية إبراهيم آل عمران، وعمران هذا هو أبو مريم وجد عيسى- عليه السلام-.
فالله اختار هؤلاء وجعلهم صفوة الخلق وخيارهم وجعل النبوة والرسالة فيهم.
ذرية بعضها يشبه بعضا في الفضل والمزية فهم خيار من خيار من خيار.
واذكر وقت أن قالت امرأة عمران- قيل: كان اسمها حنة وكانت عاقرا لا تلد- رب إنى نذرت لك ما في بطني خالصا لوجهك ولعبادتك لا يشتغل بشيء آخر سوى خدمة بيتك، ودعت الله أن يتقبل منها هذا النذر، إنك يا رب أنت السميع لكل قول ودعاء العليم بنية صاحبه، وقد كان الله سميعا لقول امرأة عمران عليما بنيتها. ولم تكن تعلم ما في بطنها أذكر أم أنثى، فلما وضعتها قالت متحسرة حزينة: إنى وضعتها أنثى وذلك أنه ما كان يؤخذ لخدمة البيت إلا الذكور لأن الأنثى تحيض وتلد فلا تصلح

صفحة رقم 226

لهذا والله أعلم بما وضعت وبمكانتها وأنها خير من كثير من الذكور، وقد بين ذلك بقوله- تعالى-: وَلَيْسَ الذَّكَرُ الذي طلبت كالأنثى التي وضعت، بل هذه الأنثى خير مما كنت ترغبينه من الذكور.
قالت امرأة عمران: إنى سميتها مريم خادمة الرب آمل أن تكون بأمرك من العابدات وإنى أستعيذ بالله وأدعوه أن يقيها هي وذريتها (عيسى) من الشيطان وسلطانه عليهما فاستجاب الله دعاءها،
عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مولود إلا يمسه الشيطان فيستهل صارخا من مسه إلا مريم وابنها» «١»
والمعنى في الحديث أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود بحيث يؤثر فيه إلا مريم وابنها، فالحديث من باب التمثيل لا الحقيقة، وهذا لا يمنع أن إبليس كان يوسوس لعيسى- عليه السلام- كما ثبت في إنجيل مرقص، ومع هذا ما كان يطيعه، فقبل الله مريم من أمها بأبلغ قبول حسن، ورضى أن تكون محررة خالصة للعبادة وخدمة البيت ورباها تربية عالية تشمل الجسد والروح وكفاها فخرا بهذا.
وجعل زكريا (وكان رجلا معروفا بالخلق والتقوى وكان زوج خالتها) كافلا لها وراعيا حتى شبت وترعرعت وكان كلما دخل عليها المحراب وجد عندها خيرا كثيرا وفضلا من الرزق فيقول لها: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله رازق الناس بتسخير بعضهم لبعض، إن الله يرزق من يشاء من عباده بغير حساب.
العبرة من القصة:
المشركون وأهل الكتاب كانوا ينكرون على النبي صلّى الله عليه وسلّم نبوته لأنه بشر مثلهم وليس من بنى إسرائيل فيرد الله عليهم: إن الله اصطفى آدم أبا البشر ونوحا الأب الثاني واصطفى من ذريتهما آل إبراهيم ومن آل ابراهيم آل عمران.
والمشركون يعترفون باصطفاء آدم ونوح وآل إبراهيم لأنهم من سلالته، وبنو إسرائيل يعترفون بهذا، واصطفاء آل عمران لأنهم من سلالة بنى إسرائيل حفيد إبراهيم، وإذا كان الله اصطفى هؤلاء على غيرهم من غير مزية سبقت فما المانع له من اصطفاء محمد صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك على العالمين كما اصطفى بنى إسرائيل على غيرهم.

(١) أخرجه البخاري كتاب أحاديث الأنبياء حديث رقم ٣٤٣١.

صفحة رقم 227
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية