آيات من القرآن الكريم

قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ

وَ (الْمَصِيرُ) : هُوَ الرُّجُوعُ، وَأُرِيدَ بِهِ الْبَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ عَلِمَ مُثْبِتُو الْبَعْثِ لَا يَكُونُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ، فَالتَّقْدِيمُ فِي قَوْلِهِ: وَإِلَى اللَّهِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ، وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالْوَعِيدِ أَكَّدَ بِهِ صَرِيحَ التَّهْدِيدِ الَّذِي قبله.
[٢٩]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ٢٩]
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩)
انْتِقَالٌ مِنَ التَّحْذِيرِ الْمُجْمَلِ إِلَى ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِ تَفْصِيلِهِ، وَهُوَ إِشْعَارُ الْمُحَذَّرِ بِاطِّلَاعِ اللَّهِ عَلَى مَا يُخْفُونَهُ مِنَ الْأَمْرِ.
وَذَكَرَ الصُّدُورَ هُنَا وَالْمُرَادُ الْبَوَاطِنُ وَالضَّمَائِرُ: جَرْيًا عَلَى مَعْرُوفِ اللُّغَةِ مِنْ إِضَافَةِ الْخَوَاطِرِ النَّفْسِيَّةِ إِلَى الصَّدْرِ وَالْقَلْبِ، لِأَنَّ الِانْفِعَالَاتِ النَّفْسَانِيَّةَ وَتَرَدُّدَاتِ التَّفَكُّرِ وَنَوَايَا النُّفُوسِ كُلَّهَا يُشْعَرُ لَهَا بِحَرَكَاتٍ فِي الصُّدُورِ.
وَزَادَ أَوْ تُبْدُوهُ فَأَفَادَ تَعْمِيمَ الْعِلْمِ تَعْلِيمًا لَهُمْ بِسِعَةِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَقَامَ إِثْبَاتِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى يَقْتَضِي الْإِيضَاحَ.
وَجُمْلَةُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ الشَّرْطِ فَهِيَ مَعْمُولَةٌ لِفِعْلِ قُلْ، وَلَيْسَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ: لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ثَابِتٌ مُطْلَقًا غَيْرُ مُعَلَّقٍ عَلَى إِخْفَاءِ مَا فِي نُفُوسِهِمْ وَإِبْدَائِهِ وَمَا فِي الْجُمْلَةِ مِنَ التَّعْمِيمِ يَجْعَلُهَا فِي قُوَّةِ التَّذْيِيلِ.
وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إِعْلَامٌ بِأَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ ذُو قُدْرَةٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَهَذَا مِنَ التَّهْدِيدِ إِذِ الْمُهَدِّدُ لَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَحْقِيقِ وَعِيدِهِ إِلَّا أَحَدُ أَمْرَيْنِ: الْجَهْلُ بِجَرِيمَةِ الْمُجْرِمِ، أَوِ الْعَجْزُ عَنْهُ، فَلَمَّا أَعْلَمَهُمْ بِعُمُومِ عِلْمِهِ، وَعُمُومِ قُدْرَتِهِ، عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يُفْلِتُهُمْ مِنْ عِقَابِهِ.
وَإِظْهَارُ اسْمِ اللَّهِ دُونَ ضَمِيرِهِ فَلَمْ يَقُلْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: لِتَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً فَتَجْرِي مَجْرَى الْمَثَلِ، وَالْجُمْلَةُ لَهَا مَعْنَى التَّذْيِيلِ. وَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ تَبَعًا لِقَوْلِهِ:
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ [آل عمرَان: ٢٨] الْآيَة.

صفحة رقم 222
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية