
هَبِ الأمر كما قلتم أليس من الحق أن لا تقتلوا من الأنبياء من جاءكم
بالبيّنات وبالذي قلتم، وإذا قتلتموهم ولم تقبلوا قولهم، دلَّ
ذلك أنكم كاذبون في دعواكم؟ أنه عَهِدَ إلينا بذلك، فهذا معنى
قوله: (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، وهذا أوضح
دلالة وأقربها مأخذاً وأخزاها لهم.
قوله تعالى: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (١٨٤)
إن قيل: لم قال: (وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ) والزبور هو الكتاب.
لقول الشاعر:
........................ كخطِّ زبور عسيب يمان

قيل: قد قال بعضهم: الزبور هو الكتاب المقصور على الحكمة
العقلية دون الأحكام الشرعيّة، والكتاب في تعارف القرآن
ما يتضمن الأحكام، ولهذا جاء في عامة القرآن كتاب وحكمة.
ففصل يينهما لهذا، واستعمل الكتابة في معنى الإيجاب، فعلى هذا
اشتقاقه من زبرت الشيء أي حكمتُه.
وقيل: الزبور اسم لما أجمل ولم يفصَّل، والكتاب يُقال لما قد فُصِّل.
قيل: واشتقاقه من الزُّبرة أي القطعة من الحديد التي تُرِكت بحالها.
وعلى هذا قال الشاعر:

وما السيفُ إلا زبرة لو تركتها... على الحالة الأولى لما كان يقطع
وقيل: الزبور ها هنا اسم للزاجر من قولهم: زبرته أي زجرته.
قال: وبيّن أنه تعالى أتاهم بالآيات الدالة على الوحدانيّة والنبوة.
وبالمزاجر المعنيّة بقوله: (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)
وهذا تسلية للنبي - ﷺ - وعتاب له.
فقد رُوِيَ أنه قال: "ما لقي أحد في الله ما لقيت".
فنبّه أن حال الأنبياء قبله كحاله، وحال أقومهم كحال قومه، وليس الشرط في نحو هذا الموضع للشك، كما تصوره بعض المفسرين، فأخذ يتخبط في جوابه، وإنما ذلك