١٧٨ - وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ﴾ الآية.
﴿الَّذِينَ﴾ (١) -في قراءة من قرأ: ﴿يَحْسَبَنَّ﴾ بالياء (٢) -، رَفْعٌ؛ بأنه فاعل (يَحْسَبُ) (٣).
وإذا كان ﴿الَّذِينَ﴾ فاعلًا؛ اقتضى (يَحْسَبُ) مفعولين؛ لأنّه يتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعولٍ يَسُدُّ مَسَدَّ مفعولين، وذلك إذا جَرَى - في صلة
(٢) القراءة الواردة في قوله: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ﴾ في الآية: ١٧٨، ١٨٠ و ﴿لَا تَحْسَبَنَّ﴾، و ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُم﴾ في آية: ١٨٨ كالتالي:
قرأها ابن كثير، وأبو عمرو، كلَّها بالياء، في كل القرآن.
وقرأها نافع، وابن عامر (لا تحسبن) و (فلا تحسبنهم).
وقرأ عاصم، والكسائي، ويعقوب: ﴿يَحْسَبَنَّ﴾ في الآية: ١٧٨، ١٨٠ بالياء. وقرأوا ﴿تَحْسَبَنَّ﴾ و ﴿تَحْسَبَنَّهُم﴾ في الآية: ١٨٨، بالتاء. وكَسَرَ الكسائيُّ السينَ، وفتحها عاصم. وقرأها حمزة كلَّها بالتاء.
ومن قرأ ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُم﴾ بالتاء، فتح الباءَ، ومن قرأها بالياء، ضم الباء.
انظر: "السبعة" ٢١٩، ٢٢٠، و"القراءات" للأزهري ١/ ١٣١، و"الحجة" للفارسي ٣/ ١٠٠ - ١٠١، و"الكشف" ١/ ٣٦٤ - ٣٦٨.
(٣) يقال: (حَسِبْتُ الشيءَ): ظَنَنْتُه، (أحْسِبُه، وأحْسَبُه)، والكسر أجْوَدُ اللغتين). "تهذيب اللغة" ١/ ٨١٠ (حسب).
قال الجوهري: (ويقال: (أحْسِبُه) -بالكسر-، وهو شاذٌّ؛ لأن كلَّ فِعْلٍ كان ماضيه مكسورًا، فإن مستقبله يأتي مفتوح العَيْنِ، نحو: (عَلِمَ، يَعْلَمُ)، إلا أربعة أحرف جاءت نوادر، قالوا: (حسِب يحسِب ويحسَبُ)، و (بَئِس يبأس ويَبْئِسُ)، و (يَئِس يَيْأسُ وَييئسُ)، و (نَعِمَ يَنعَمُ ويَنْعِم) فإنها جاءت من السالم بالكسر والفتح. ومن المعتَلِّ ما جاء ماضيه ومستقبله جميعًا بالكسر، نحو: (ومِقَ يمِق)، و (وفِقَ يَفِق)، و (وثِقَ يَثِق)، و (وَرع يَرعُ)، و (ورِمَ يَرِمْ)، و (ورث يرث)، و (وريَ الزندُ يَرِي)، و (وَلي يَلي). "الصحاح" ١/ ١١٢ (حسب).
ما يتعدى إليه الحِسْبانُ-، ذِكْرُ الحديثِ والمُحَدَّث عنه، نحو: (حَسِبْتُ أن زيدًا منطلقٌ)، و (حَسِبتُ أنْ يقومَ عمرٌو) (١).
فجرى (٢) فيما تَعَدَّى إليه (حَسِبْتُ) الحديثُ، وهو: الانطلاقُ والقيامُ. والمُحَدَّثُ عنه، وهو: زيدٌ أو عَمْرُو. فقام المفعولُ الواحدُ مقامَ المفعولين. وفقوله: ﴿أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ﴾ قد سَدَّ مسَدَّ المفعولين اللَّذَيْن يقتضيهما ﴿يَحْسَبَنَّ﴾.
وقرأ حمزة: ﴿ولا تَحْسَبَنَّ الذين كفروا﴾ بالتاء. و ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ -في هذه القراءة- في موضع نَصْبٍ، بأنّه المفعول الأول.
واختلفوا في وجه هذه القراءة:
فقال الفرّاء (٣): هو على التكرير. المعنى: ولا تَحْسَبَنَّ يا محمدُ الذين كفروا، ولا تَحْسَبَنَّ أنَمَا نمْلِي لهم خيرٌ (٤) لأنفسهم. قال: وهذا كقوله -تعالى-: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ (٥) [محمد: ١٨]؛ يعنى: فهل ينظرون إلا الساعة، هل يَنْظُرُونَ (٦) إلا أنْ تأتيهم بَغْتةً؟.
وقال الزّجاج (٧): هذه القراءة عندي، يجوز على البدل من
(٢) في (أ)، (ب): (جرت). والمثبت من (ج).
(٣) في "معاني القرآن" له ١/ ٤٤٨. نقله عنه بالمعنى. وهو رأي الكسائي -كذلك-. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٨٠، و"تفسير القرطبي" ٤/ ٢٨٧.
(٤) في (ج): (خيرا).
(٥) في (ج)، و"معاني القرآن": (هل).
(٦) في (ج): (ينتظرون).
(٧) في "معاني القرآن" له ١/ ٤٩١. ناقله عنه بتصرف يسير.
﴿الَّذِينَ﴾؛ المعنى: ولا تَحسَبَنَّ ﴿أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ﴾ (١). وأنشد:
فَمَا كانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكَ واحدٍ (٢)
جعل (هُلكُهُ) بدلًا من (قَيس)؛ المعنى: فما كان هُلْكَ قيسٍ هُلكَ واحدٍ.
(٢) صدر بيت، وعجزه:
ولكنَّه بنيانُ قومٍ تَهَدَّما
وهو لعبدة بن الطبيب السعدي التميمي، وهو في "شعره" ٨٨. وورد منسوبًا له في: "كتاب سيبويه" ١/ ١٥٦، و"البيان والتبيين" ٢/ ٣٦٣، و"الشعر والشعراء" (٤٨٧)، و"عيون الأخبار" ١/ ٢٨٧، و"الأصول في النحو" ٢/ ٥١، و"الأغاني" ٢١/ ٢٥، ٢٦، و"شرح القصائد السبع"، لابن الأنباري ٩، و"ديوان المعاني" لأبي هلال العسكري (تصحيح: كرنكو، ن: مطبعة القدسي، القاهرة، ١٣٤٢ هـ): ٢/ ١٧٥، و"أمالي المرتضى" ١/ ١١٤، و"بهجة المجالس" ١/ ٥١٤، و"شرح ديوان الحماسة" للتبريزي (ن: دار القلم) ١/ ٣٢٨، و"شرح المفصل" ٣/ ٦٥. ونسبه في "الأغاني" ١٤/ ٨٦ لمرداس بن عبدة.
وورد غبر منسوب في: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٥٨ ب، و"شرح المفصل" ٨/ ٥٥، و"البسيط في شرح جمل الزجاجي" ٢/ ١٩٨، و"إعراب القرآن" لنحاس ١/ ٣٨٠، و"الإغفال" للفارسي ١/ ٥٩٣.
وقد ورد في بعض المصادر: (فلم يك قيس..).
قال الشاعر البيت في رثاء قيس بن عاصم المنقري، سيد بني تميم.
والشاهد في البيت: رفع (هلكُه) على أنه بدل من (قيس) اسم (كان) ويكون حينها (هلكَ) منصوبًا على أنه خبر (كان). ويجوز أن يكون (هلكُه) مرفوعًا على الابتداء، وحينها تكون (هلك) مرفوعة على أنها خبر المبتدأ.
قال ابن الأنباري: (والرواية الجيدة: (هلكُه هلكُ واحد) برفعهما جميعًا). "شرح القصائد السبع": ٩.
ومثلُه -مما جُعِلَ (أنَّ) مع الفعل بدلًا من المفعول-، قولُه: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ (١) [الكهف: ٦٣]، وقوله -تعالى-: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ﴾ (٢) [الأنفال: ٧]، بَدَلًا مِنْ إحْدَى الطائفتين.
قال أبو علي الفارسي (٣): هذه القراءة على تقدير البدل، لا يصح إلا بنصب (خيْر) (٤)؛ لأن (أنّ) تصير بدلًا من ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وإذا صار بدلًا منه، فكأنه قال: لا تَحْسَبَنَّ إملاءَ الذين كفروا خيرًا. فيلزم انتصاب (خير) (٥) من حيثُ كان المفعول الثاني لـ (حَسِبْتُ).
ألا ترى أنه أبدل (٦) ﴿أَنَّمَا﴾ كما (٧) أبدل الشاعرُ (هلكُهُ) من (قيس)، فصار التقدير: وما كان هُلْك قَيْسٍ هُلْكَ واحدٍ، انتصب (هلكَ واحدٍ) (٨) على أنه خبرُ (كان)، ولو (٩) لم يبدل (هلكُه) من (قيس)؛ لارتفع بالابتداء، وصار (هُلْكُ واحدٍ) خَبَرَه. والجملة في موضع نصب على خبر (كان). كما أَنه لو لم يُبْدِلْ (أنّ) من ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لكسرها ولم يَفْتَحْها، ولو كسرها لصارت (أنّ) واسمها وخبرها، في موضع نصب؛ لأنه مفعول ثانٍ لـ ﴿تَحْسَبَنَّ﴾.
(٢) انظر: "الحجة" للفارسي ٣/ ١٠٧، و"التبيان" للعكبري ٢/ ٤٠٤.
(٣) في: "الإغفال" ١/ ٥٩٣. نقله عنه بتصرف. وانظر: "الحجة" له ٣/ ١٠٧.
(٤) في (ج): (خبر).
(٥) في (ج): (خبر).
(٦) (أبدل): ساقطة من (ج).
(٧) في (ج): (كان).
(٨) (انتصب هلك واحد): ساقط من (ج).
(٩) (ولو): ساقطة من (ج).
وكما انتصب (هُلْكَ واحد) في البيت، لَمّا أبدل الأول مِنْ (قيس) بأنه خَبَرُ (كان)؛ كذلك ينتصبُ ﴿خيرٌ لهم﴾ في الآية، إذا أبدل الإملاء من ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بأنه مفعول ثانٍ لـ ﴿تَحْسَبَنَّ﴾.
فإذًا، قد جاء أنه لا يجوز أن يُقرأ ﴿تَحْسَبَنَّ﴾ بالتاء، إلّا أن يُكسر (إنَّ) في ﴿أَنَّمَا نُمْلِي﴾، أو يُنصب ﴿خَيْرٌ﴾ (١)، مع فتح ﴿أَنَّمَا﴾، فيقرأ: (أنَّمَا نُمْلي لهم خيرًا لأنفسهم).
ولم يُرْوَ عن حمزةَ كسْرُ (أنّ)، ولا نَصْبُ (خَيْرٌ)، فلا تصح القراءة بالتاء، على ما قرأ به حمزةُ، عند أبي عليّ (٢).
قال ابن عباس (٣): أراد بـ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: المنافقين، وقُرَيْظَةَ والنَّضِير. وقال مقاتل (٤): يعنى: مشركي مكة.
وقوله: ﴿أَنَّمَا﴾، (ما) تحتمل وجهين:
أحدهما: أن يَكون بمعنى (الذي) (٥)، فيكون التقدير: لا يحسبن
وقد جاء في (ج) بعد (خير) العبارةُ التالية: (فلا يصح بالياء إنما). وهي عبارة
مقحمة لا وجه لها.
(٢) قال النحاس، عن قراءة حمزة لقوله تعالى ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ﴾ [الآيتان: ١٧٨، ١٨٠] (وزعم أبو حاتم أنه لحنٌ لا يجوز، وتابعه على ذلك جماعةٌ). "إعراب القرآن" ١/ ٣٧٩.
وعَقَّب القرطبيُّ على زعم أبي حاتم، قائلًا: (قلت: وهذا ليس بشيء؛ لما تقدم بيانه من الإعراب، ولصحة القراءة وثبوتها نقلًا). "تفسيره" ٤/ ٢٨٨.
(٣) لم أقف على مصدر قوله. وقد ورد في: "زاد المسير" ١/ ٨٠٥
(٤) في "تفسيره" ١/ ٣١٧. نصه عنده -بعد أن ذكر الآية-: (أبا سفيان وأصحابه، يوم أحد).
(٥) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٠٨.
الذين كفروا أن الذي نمليه خيرٌ لأنفسهم، وحَذَفَ (الهاء) مِنْ ﴿نُمْلِي﴾؛ لأنه يجوز حذفُ الهاء مِنْ صِلَةِ (الذي)؛ كقولك: (الذي رأيتُ زيدٌ).
والآخر: أن يَكون (ما) بمنزلة الإملاء، فيكون مصدرًا، وإذا كان مصدرًا (١)، لم تقتض راجعًا إليها (٢).
وقوله تعالى: ﴿نُمْلِي لَهُمْ﴾.
معنى ﴿نُمْلِي﴾ -في اللغة-: نُطِيل، ونُؤَخِّر. والإملاء: الإمهال والتأخير. واشتقاقه (٣) من (المِلْوَة)، وهي: المُدَّة من الزمان. يقال: (مِلْوَةٌ مِنَ الدَّهْرِ)، و (مُلْوَةٌ، ومَلْوَةٌ، ومِلاَوَةٌ (٤)، ومَلاَوَةٌ (٥)، ومُلاَوَةٌ)، بمعنًى (٦).
قال العَجَّاج:
وقد أُرَانِي لِلغَوَانِي (٧) مِصْيَدا | مُلاوَةً كأنَّ فَوْقِي جَلَدا (٨) |
(٢) في (ج): (إليهما).
(٣) من قوله: (واشتقاقه..) إلى نهاية بيت الشعر: (.. من طريف وتالد): هو من قول ابن الأنباري؛ حيث ورد بعض النص في: "زاد المسير" ١/ ٥٠٩، و"اللسان" ٧/ ٤٢٧٢ (ملا). ونسباه لابن الأنباري، ولم يبينا المصدر.
(٤) (أ)، (ب): وملاؤة. والمثبت من: (ج)، ومصادر اللغة.
(٥) في (ج): (ومَلاوة، ومِلاوة).
(٦) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٢٣٤، و"غريب القرآن" لابن اليزيدي ٤٥، و"تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١١٦، و"غريب الحديث" للحربي ١/ ٣٤١، و"تحفة الأريب" ٣٨٨، وانظر مادة (ملا) في: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٣٨، و"الصحاح" ٦/ ٢٤٩٦، و"اللسان" ٧/ ٤٢٧٢.
(٧) في (ج): (الغواني).
(٨) البيت في "ديوانه" (تح: د. عزة حسن): ٣٤٠. وورد منسوبًا له في: "إصلاح المنطق" ٤٧، ومادة (جلد) في: "تهذيب اللغة" ١/ ٦٣٤، و"الصحاح" ٢/ ٤٥٨.=
ومنه قولُ العَرَبِ: (الْبَسْ جَدِيدا، وتَمَلَّ حبيبًا) (١)؛ أي: لِتطل أيَّامك معه. وقال مُتَمِّم (٢):
بِودَّيَ أَنّي لو تَمَلَّيْتُ عُمْرَهُ | بِمَالِيَ مِنْ مالٍ طَريفٍ وتَالدِ (٣) |
وورد غير منسوب في: "جمهرة اللغة" ١/ ٤٤٩، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١٥٩ أ. وروايته في الديوان والجمهرة: (فقد أكونُ..).
و (الغواني): جمع غانية، وقيل في معناها: التي غَنِت بالزوج. وقيل: التي غَنِيت بحُسْنها عن الزينة وقيل: التي تُطلَب، ولا تَطلُب. وقيل: الشابَّة العفيفة؛ كان لها زوجٌ أو لم يكن. وقيل: كلُّ امرأة، فإنها تُسمَّى غانية. وقيل غير ذلك. انظر: "اللسان" ٦/ ٣٣٠٩ (غنا).
و (المِصْيَد) -بكسر الميم، وفتحها-: ما يُصاد به. "اللسان" ٤/ ٢٥٣٤ (صيد). و (الجَلَد)، فيه قولان: أحدهما: أن يُسلخ جِلْدُ البعيرِ وغيره، وُيلْبَس غيرَه من الدواب، وُيسمَّى هذا (جَلَدا). والقول الثاني: أن يُسلخ جِلْدُ الحُوار، ثم يُحشى ثُمامًا، أو غيره من الشجر، ثم يُعطف عليه أمُّه، فترأمه. انظر: (جلد) في: "تهذيب اللغة" ١/ ٦٣٤، و"المقاييس" ١/ ٤٧١.
ومعنى البيت: إنَّهنَّ يَرأمْنَنِي ويَعْطِفْنَ عليَّ، كما ترأم الناقةُ الجَلَدَ.
(١) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٣٤، و"الصحاح" ٦/ ٢٤٩٧ (ملا)، و"اللسان" ٧/ ٤٢٧٢ (ملا). وقد ورد المثل فيه: (أبليت جَدِيدًا، وتَمَلَّيتَ حبيبًا). أي: عشت معه ملاوتَكَ من دهرك، وتمتعت به.
(٢) تقدمت ترجمته.
(٣) البيت في "شعره" ٨٦.
وقد ورد منسوبًا له، في: "الزاهر" ١/ ٢٥٦. وورد غير منسوب في: "اللسان" ٧/ ٤٢٧٢ (ملا) وردت روايته في المصادر السابقة: (بودي لو أني..).
قال في "الزاهر": (الطريف، والطارف)، وهما: المال المستحدث الذي كَسَبه الرجلُ، وجَمَعَهُ. و (التَّليد، والتالِدُ): ما ورثه عن آبائه ولم يكتسبه) ١/ ٢٥٦.
وقال الأصمعي (١): (أمْلَى عليه الزمانُ) (٢)؛ أي: طال عليه. و (أملَى له)؛ أي: طَوَّل له، وأمهله.
قال أبو عبيدة: ومنه: (المَلاَ) (٣): الأرض الواسعة الطويلة (٤).
قال ابن عباس (٥) -في قوله: ﴿أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ﴾ -: يريد (٦): تماديهم في معاصي الله.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ قال ابن الأنباري (٧): قال جماعة من أهل العلم (٨): أنزل الله عز وجل هذه الآية في قوم يعاندون الحق، سَبَقَ في علمه أنهم لا يؤمنون، فقال: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ بمعاندتهم الحقَّ، وخِلاَفِهِم الرسولَ.
وقد قال رسول الله - ﷺ -: (إذا رأيتَ اللهَ يُعْطِي على المعاصي، فإنَّ
(٢) في "التهذيب": الزمن.
(٣) وهي غير مهموزة، وتكتب بالألف والياء، والبصريون يكتبونها بالألف. وقال الفراء: (والألف أجود). وكذا قال ابن الأنباري.
انظر: "المقصور والممدود" للفراء ٤٣، ٦١، و"المنتخب" لكراع ٢/ ٤٣٨؛ و"شرح القصائد السبع" لابن الأنباري ٤٦٥، ومادة (ملا) في: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٣٨، و"الصحاح" ٦/ ٢٤٩٧، و"اللسان" ٧/ ٤٢٧٢.
(٤) لم أقف على مصدر قول أبي عبيدة، والذي ورد في "مجاز القرآن ": (ويقال للخرق الواسع في الأرض: مَلًا، مقصور) ١/ ٣٣٣.
(٥) لم أقف على مصدر قوله.
(٦) في (ج): (مريد).
(٧) لم أقف على مصدر قوله.
(٨) لم أقف عليهم.
ذلك استدراجٌ مِنَ اللهِ لِخَلْقِهِ)، ثم تلا هذه الآية (١).
ونحو هذا، قال الزّجاج (٢): إن هؤلاء قومٌ، أعلَمَ اللهُ نبيَّه أنهم لا يؤمنون أبدًا، وأن بقاءهم يزيدهم كفرًا وإثما.
والآية حجّة ظاهرة على القَدَريّة (٣)؛ حيث أخبر الله -تعالى-، أنه يطيل أعمارَ قومٍ وُيمْهِلُهُم؛ لِيَزدادوا غَيًّا وكُفْرا.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٢٠، ١٠/ ٢٤٥، وقال: (رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه، الوليد بن العباس المصري، وهو ضعيف).
وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٣/ ٢٢ وزاد نسبة إخراجه إلى ابن أبي حاتم، وابن المنذر، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في "الشعب".
وأورده في "الجامع الصغير" ورمز له بالحسن. انظر: "فيض القدير" ١/ ٤٥٥. وأورده الخطيب التبريزي في: "مشكاة المصابيح" ٣/ ١٤٣٥ رقم (٥٢٠١).
وحَسَّن الحافظ العراقي سنده (انظر: "تخريج الإحياء" بهامش "إحياء علوم الدين" ٤/ ١٣٢).
وصححه الألباني في: صحيح "الجامع الصغير" ١/ ١٥٨ رقم (٥٦١)، وفي "سلسلة الأحاديث الصحيحة" رقم (٤١٤).
ولفظ الحديث -كما عند أحمد، من رواية عقبة بن عامر، عن النبي - ﷺ -: "إذا رأيت الله -عز وجل- يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يُحب، فإنما هو استدراج"، ثم تلا رسولُ الله - ﷺ -: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: ٤٤]. فليس في الأثر -عند من رواه- أنه - ﷺ - قرأ هذه الآية من سورة آل عمران.
(٢) في "معاني القرآن" له ١/ ٤٩١. نقله عنه بتصرف يسيِر.
(٣) سبق بيان أن المراد بـ (القدَريَّة) هم المعتزلة، الذين وافقوا القَدَرية القُدامى في نفي القدر.
والقَدَرِيّة، تأولوا الآية على وجهين:
أحدهما: على التقديم والتأخير؛ فقالوا: التقدير: (ولا يحْسَبَنَّ الذين كفروا إنما نُملي لهم لِيَزدادوا إثما؛ إنَّما نُملي لهم خيرٌ لأنفسهم). وهذا (١) إنما كان يُحتمل لو قُرِئ بِكَسْرِ ﴿أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ﴾، ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا﴾. ولم يقرأ به أحدٌ يُعرَف. ولا يجوز حملُ الآية على وجهٍ لا يجوز أن يُقرأ به (٢).
والوجه الثاني: قالوا (٣): معنى قوله: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾: إنما نُمْلي لهم، على أنَّ عاقبةَ أمْرِهم ازديادُ الإثم. وهذه لام العاقبة؛ كقوله: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨]. وهذا (٤) الذي قالوه، خِلافُ ما ذَكَرَهُ المفسرون وأهل العلم، وعُدُولٌ عن ظاهرِ الخِطَاب، فلا يُقْبَلُ.
على أن لام العاقبة يشَاكِل ما قبله؛ كقوله: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾، الآية، وهم ما التقطُوهُ لِهذا؛ ولكنْ كان الالتقاطُ سبَبَ كونِهِ عَدُوًّا لهم، كذلك في الآية، يجب أنْ يكونَ إمْلاءُ اللهِ إيَّاهم، سَبَبَ ازديادهم الإثم (٥)،
(٢) قال النحاس في "إعراب القرآن" ١/ ٣٨٠ (قال أبو حاتم: سمعت الأخفش يذكر كسر (إنَّ) يحتج لأهل القَدَر؛ لأنه كان منهم، ويجعله على التقديم والتأخير.. قال: ورأيت في مصحفٍ في المسجد الجامع، قد زادوا فيه حرفًا؛ فصار: (إنما نملي لهم ليزدادوا إيمانًا)، فنظر إليه يعقوب القارئ، فتَبيَّنَ اللَّحَقَ، فحكَّه). وانظر: "تفسير القرطبي" ٤/ ٢٨٨.
(٣) انظر: "تنزيه القرآن عن المطاعن" للقاضي عبد الجبار ٨٣
(٤) (أ)، (ب): (وهو)، والمثبت من: (ج)، وهو أولى وأصوب.
(٥) في (ج): (الكفر).