آيات من القرآن الكريم

الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ

(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)
* * *
هذه خمسة أوصاف للمؤمنين الصادقي الإيمان، والمذعنين حق الإذعان:
أولها: أنهم صابرون، والصبر صفة الإيمان حقا وصدقا، وقد حث عليه القرآن في أكثر من سبعين موضعا، والصبر له شعب كثيرة، منها وهي أدناها الصبر عند الشديدة، وتحملها من غير أنين ولا شكوى، وهذا هو الصبر الجميل، فإن ضج الصابر وشكا فصبره غير جميل، ومنها الصبر بضبط النفس عن الشهوات وقدعها عن الأهواء المردية، وجعل العقل متحكما دائما، وهذه مرتبة عالية في الصبر. ومنها الصبر على تحمل النعم؛ فإن النعم تحتاج إلى صبر لكيلا يطغى الإنسان بسبب النعمة فتؤدي إلى الكفر بدل الشكر. ولقد قال تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١).
والوصف الثاني: أنهم صادقون، والصدق من أكمل الصفات الإنسانية، وهو شُعَبٌ أيضا فمنها الإخبار بالحق، ومنها أن يصدق نفسه، فلا يخدعها، ويزين لها سوء الأعمال، ويغالط قلبه وحسه؛ ومنها أن يتعرف عيوب نفسه بالحق ويتكشفها ويَتعرفها ولا يسترها عن نفسه، لتكون بين يديه ماثلة دائما فيستيقظ ضميره، وهذا هو طريق التهذيب الروحي الحق.

صفحة رقم 1142

والوصف الثالث: أنهم قانتون، والقانت هو الطائع المديم للطاعة غير متململ منها، ولا متبرم بها، ولا خارج على حدودها، فالقنوت يصور الإذعان المطلق.
والوصف الرابع: أنهم المنفقون، أي أنهم ينفقون المال في مصارفه سواء أكانت عامة أم كانت خاصة، وقد بينا مناهج الإنفاق الديني فيما أسلفنا.
والوصف الخامس: أنهم مستغفرون بالأسحار، والأسحار جمع سحر، وهو آخر الليل، وهذا الوقت وقت التهجد، وتذكر ما كان من عمل، واستقبال ما يكون من أعمال، فالاستغفار فيه باستشعار الضراعة وتذكر الله، والشعور بمراقبته، يجعل المؤمن يستقبل أعمال الحياة بقلب سليم نقي كما هو، فلا يكون فيه إلا خير، وليس الاستغفار هو ترداد كلمة أستغفر، إنما هو الشعور بالخضوع، ومراقبة الله والضراعة إليه سبحانه، وليس كذلك أكثر المستغفرين؛ ولذا قالت رابعة العدوية: " استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير ". ولقد روى البخاري أن رسول الله - ﷺ - قال: " سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لَا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لَا يغفر الذنوب إلا أنت. ومن قالها بالنهار موقنا فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات من ليله قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة " (١).
* * *
________
(١) رواه البخاري بهذا اللفظ عن شداد بن أوس رضي الله عنه: الدعوات - أفضل الاستغفار (٥٨٣١) كما رواه الترمذي والنسائي وأحمد بنحوه.

صفحة رقم 1143

شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩)
* * *
بَيَّنَ سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أوصاف المؤمنين في تبتلهم، وصدق إيمانهم، وإذعان نفوسهم، وصبرهم وضبط شهواتهم؛ وهنا يبين حقيقة الإيمان والإسلام وأن الإسلام شريعة النبيين أجمعين، وهو دين الله المتين؛ وابتدأ سبحانه بحقيقة الإيمان فقال:

صفحة رقم 1144
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية