آيات من القرآن الكريم

وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ

أَوْ يَمُوتُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَيَوَدُّوا لَوْ لَمْ يَكُونُوا خَرَجُوا مِنْ دُورِهِمْ إِلَى حَيْثُ لَقُوا حَتْفَهُمْ فَإِنَّ مَا يَلْقَوْنَهُ بَعْدَ هَذَا الْحَتْفِ خَيْرٌ مِمَّا كَانُوا فِيهِ قَبْلَهُ. وَبِهَذَا الَّذِي بَيَّنْتُهُ تَظْهَرُ نُكْتَةُ الْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَالْغَيْبَةِ فِي آخِرِهَا، وَكَذَا تَنْكِيرُ مَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ. ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى -:
وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ قَالُوا: إِنَّ الْمَوْتَ وَالْقَتْلَ هُنَا أَعَمُّ مِمَّا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ ; لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَمُوتُ وَمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَهِيَ طَرِيقُ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ، أَوْ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ، وَهِيَ طَرِيقُ الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُحْشَرَ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ الَّذِي يَحْشُرُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي نَشْأَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ الَّذِي يُحَاسِبُهُمْ وَيُجَازِيهِمْ، وَهَاهُنَا قَدْ قَدَّمَ ذِكْرَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنَ الْقَتْلِ وَأَكْثَرُ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ. فِي مَعْنَى الْحَشْرِ إِلَى اللهِ - تَعَالَى -: إِنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ - تَعَالَى - مَكَانٌ يَحْصُرُهُ فَيَحْشُرُ النَّاسَ وَيُسَاقُونَ إِلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْإِنْسَانَ يَغْفُلُ فِي هَذِهِ الدَّارِ عَنِ اللهِ فَيَنْسَى هَيْبَتَهُ وَجَلَالَهُ، وَيَنْصَرِفُ عَنِ اسْتِشْعَارِ عَظَمَتِهِ وَسُلْطَانِهِ ; لِاشْتِغَالِهِ بِدَفْعِ الْمَكَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَجَلْبِ اللَّذَّاتِ وَالرَّغَائِبِ لَهَا. وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي يُحْشَرُ لَهُ النَّاسُ فَلَا اشْتِغَالَ فِيهِ بِتَقْوِيمِ بِنْيَةٍ، وَلَا التَّمَتُّعِ بِلَذَّةٍ، وَلَا مُدَافَعَةِ عَدُوٍّ، وَلَا مُقَاوَمَةِ مَكْرُوهٍ، وَلَا بِتَرْبِيَةِ نَفْسٍ، وَلَا تَنْزِيهِ حِسٍّ، وَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ فِيهِ كُلُّ أَحَدٍ مَا يُلَاقِيهِ مِنَ اللهِ - تَعَالَى - جَزَاءً عَلَى عَمَلِهِ لَا يَشْغَلُهُ عَنْهُ شَيْءٌ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ رَاجِعًا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ كَانَ فِيهِ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - مَحْشُورًا مَعَ سَائِرِ النَّاسِ إِلَيْهِ لَا يَشْغَلُهُ عَنْهُ شَيْءٌ (قَالَ) وَإِذَا كَانَ مَصِيرُ كُلِّ مَنْ يَمُوتُ أَوْ يُقْتَلُ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - مَهْمَا كَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ أَوْ قَتْلِهِ وَمَهْمَا طَالَتْ حَيَاتُهُ فَالِاشْتِغَالُ بِذِكْرِ سَبَبِ هَذَا الْمَصِيرِ وَمَبْدَئِهِ لَا يُفِيدُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُفِيدُ هُوَ الِاهْتِمَامُ بِذَلِكَ الْمُسْتَقْبَلِ وَالِاشْتِغَالُ بِالِاسْتِعْدَادِ لَهُ، وَذَلِكَ دَأْبُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

صفحة رقم 162
تفسير المنار
عرض الكتاب
المؤلف
محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني
الناشر
1990 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية