آيات من القرآن الكريم

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ۗ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ

ويقال لكلِّ مَن عادَ إلى ما كان عليه، ورَجَعَ ورَاءَهُ (١): انقَلَبَ على عَقِبِهِ (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا﴾ فيه معنى الوعيد؛ أي: فإنما يَضُرُّ نَفْسَهُ؛ باستحقاق العِقَاب.
﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ بِمَا يستحقونه مِنَ الثَّوَاب. قال ابن عباس (٣): يريد: الطائعين لله من المهاجرين والأنصار.
١٤٥ - وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ الآية.
قال الأخفش (٤)، والزجَاجُ (٥): اللَّام في (لِنَفْسٍ) (٦)؛ معناها: النقل؛ بتقدير: وما كانت نفسٌ لِتَموتَ إلّا بِإذْنِ اللهِ (٧).
قال ابن عباس (٨): يريد: بقضائه وَقَدَرِهِ. وفي هذا رَدٌّ على القَدَريَّةِ؛ حيث قالوا: إنَّ المقتول لا يكون مَيتًا بِأَجَلِهِ (٩).

(١) في (ج): (وراه).
(٢) انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ١١٣. ومن قوله: (على عقبه..) إلى (.. فلن يضر الله): ساقط من (ج).
(٣) لم أقف على مصدر قوله.
(٤) لم أهتد إلى قوله في كتاب "المعاني" له، وقد ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ١٢٨أ.
(٥) في "معاني القرآن" له ١/ ٤٧٤. وهو قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" ١/ ١٠٤.
(٦) في (ج): النفس.
(٧) أي: أنَّ قوله: ﴿أَنْ تَمُوتَ﴾ جُعِل خبَرًا لـ ﴿كَانَ﴾، بعد أن كان اسمًا لها. وجُعِلَ ﴿لِنَفْسٍ﴾ اسمًا لـ ﴿كَانَ﴾ بعد أن كان خبرًا لها. انظر: "الدر المصون" ٣/ ٤٠٨.
(٨) لم أقف على مصدر قوله.
(٩) انظر رأيهم حول هذه المسألة في "كتاب الرد والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفية" ليحيى بن الحسين ١٥٣ وما بعدها، و"شرح جوهرة التوحيد" ١٦٠ - ١٦٢، =

صفحة رقم 41

واختلفوا في المراد بهذا: فقال بعض (١) أهل المعاني (٢): المراد به التَّسْلِيَةُ عَمَّا يلحق النفسَ بموت النبي - ﷺ - إذا (٣) وَقعَ. من جهة أنه إذا وَقَعَ كان بإذن الله.
وقال بعضهم (٤): المراد به: الحَضُّ على الجهاد، من حيث لا يموت أحدٌ فيه إلّا بإذن الله. وقال ابن الأنباري (٥): عاتب اللهُ تعالى (٦) بهذا المُنْهَزِمينَ يوم أُحُد؛ رَغْبَةً في الدنيا، وَضَنًّا بالحياة، وأخبرهم أن الحياة [لا تزيد] (٧) ولا تنقص، وأنَّ الموتَ بِأَجَلٍ عنده، لا يتقدم ولا يتأخر.
وقوله تعالى: ﴿كتَابًا مُؤَجَّلًا﴾ إنتصب ﴿كِتَابًا﴾ بالفعل الذي دلّ عليه ما قبله، وذلك أن قوله: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، يدل على: (كَتَبَ). وكذلك قوله: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، لأن في قوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]، دِلاَلَةً على: (كَتَبَ هذا التحريمَ

= فقد ذكر آراء المعتزلة المختلفة في هذا الأمر، وذكر رأي أهل السنة، وانظر: "بحر العلوم" ١/ ٣٠٥، و"المحرر الوجيز" ٣/ ٣٥١، و"تفسير القرطبي" ٧/ ٢٠٢، و"روح المعاني" ٤/ ٧٦.
(١) (بعض): ساقطة من (ج).
(٢) ممن قال بذلك: ابن فورك. انظر: "المحرر الوجيز" ٣/ ٣٥١.
(٣) في (ج): (وإذا).
(٤) لم أقف عليهم. وقد ذكر هذا القولَ ابنُ عطية في "المحرر" ٣/ ٣٥١، ولم يعزه لقائل.
(٥) لم أقف على مصدر قوله.
(٦) كلمة (تعالى): ساقطة من (ج).
(٧) ما بين المعقوفين مطموس في (أ). والمثبت من (ب). (ج).

صفحة رقم 42

عليكم). ومثله: ﴿صُنْعَ اللَّهِ﴾ [النمل: ٨٨]، و ﴿وَعَدَ اللَّهُ﴾ [النساء: ١٢٢].
و (المُؤَجَّلُ): ذو الأَجَلِ. و (الأَجَلُ): الوقت المعلوم (١).
[و] (٢) قال عطاء (٣)، ومقاتل (٤): يريد مُؤَجَّلًا إلى أجله الذي هو في اللوح المحفوظ.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ قال المفسرون (٥): أي: من يُرِدْ بطاعته وعمله زينةَ الدنيا، وزُخْرُفَهَا؛ نُؤْتِهِ منها.
قال أهل المعاني (٦): هو مُجْمَلٌ (٧)، ومعناه: نؤته منها ما نشاء، مِمَّا قَدَّرناه له (٨) كقوله: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾ [الإسراء: ١٨].
يعني بهذا: الذين تركوا المَرْكَزَ يوم أُحُد طلبًا للغنيمة، ورَغْبَةً في الدنيا (٩).

(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٧٤.
(٢) ما بين المعقوفين زيادة من (ج).
(٣) لم أقف على مصدر قوله.
(٤) في "تفسيره" ١/ ٣٠٥.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ١١٥ - ١١٦، و"معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٧٥، و"بحر العلوم" ١/ ٣٠٦، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١٢٨ أ.
(٦) من قوله: (قال..) إلى (.. طلبًا للغنيمة): نقله -بتصرف يسير- عن "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٢٨ أ.
(٧) (هو مجمل): ساقط من (ج).
(٨) وممن قال بهذا: ابن إسحاق. انظر: "سيرة ابن هشام" ٣/ ٦٤، و"تفسير الطبري" ٤/ ١١٥ - ١١٦، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٧٩، و"الدر المنثور" ٢/ ١٤٥ وزاد نسبة إخراجه لابن المنذر. وهو قول الطبري. انظر: "تفسيره" ٤/ ١١٥ - ١١٦.
(٩) ممن قال هذا: مقاتل في "تفسيره" ١/ ٣٠٥.

صفحة رقم 43

﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ﴾ أي: مَنْ كانَ قَصْدُهُ بِعِمْلِهِ ثَوَابَ الآخرة. قال عطاء (١): يعنى: زينَتَها ومُلْكَها وسُرُورَهَا.
﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾. يعني بهذا: أولئك الذين ثَبَتُوا يومَ أُحُد حتى قُتِلُوا (٢).
أعْلَمَ الله -تعالى- أنَّهُ يُجازي كُلًّا على قَصْدِهِ وإرادته، فَمَنْ نَصِبَ للدنيا، و (٣) عمل لها، أُعْطِيَ منها حظًّا على قَدْرِما قُسِمَ له، ومَن عَمِلَ للآخرة فاز بها (٤)، كما رُوِيَ عن (٥) النبي - ﷺ - في قوله: "الأعمال بالنيَّاتِ" (٦)، الحديث المعروف.

(١) لم أقف على مصدر قوله.
(٢) هذا قول مقاتل في: "تفسيره" ١/ ٣٠٥، والثعلبي في "تفسيره" ٣/ ١٢٨ ب.
(٣) في (ج): (أو).
(٤) قال الزجاج: (وليس في هذا دليل أنه يحرمه خير الدنيا؛ لأنه لم يقل: (ومن يرد ثواب الآخرة، لم نؤته إلا منها)، والله -عز وجل- ذو الفضل العظيم). "معاني القرآن" ١/ ٤٧٥.
(٥) في (ج): (قال النبي) بدلًا من: روي عن.
(٦) الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" -في مواضع منها-: (١) كتاب بدء الوحي. باب كيف كان بدء الوحي، و (٥٤) كتاب الإيمان: باب ما جاء من الأعمال بالنية، و (٢٥٢٩) كتاب العتق. باب الخطأ والنسيان في العتاق والطلاق، و (٣٨٩٨) كتاب مناقب الأنصار. باب هجرة النبي إلى المدينة.
وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (١٩٠٧) كتاب الإمارة. باب إنما الأعمال بالنيات. وأبو داود في "السنن" رقم (٢٢٠١) كتاب الطلاق. باب فيما عني به الطلاق والنيات. والترمذي رقم (١٦٤٧) كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا. والنسائي ١/ ٥٨ كتاب الطهارة. باب النية في الوضوء، و ٦/ ١٥٨ كتاب الطلاق. باب الكلام إذا قصد به فيما يحتمل معناه، و٧/ ١٣ في الأيمان. باب النية في اليمين. وابن ماجة في "السنن" رقم (٤٢٢٧) كتاب "الزهد". باب النية. وأحمد في "المسند" ١/ ٢٥، ٤٣، والدارقطني في "السنن" ١/ ٥٠،=

صفحة رقم 44

وأَنَّثَ الكِنَاية (١) في ﴿مِنْهَا﴾، -وهي (٢) في المعنى راجعةٌ إلى الثواب-؛ لأن ثوابَ الدنيا، هو: الدنيا، وثوابَ الآخرة، هو: الآخرة. فرجوع الكِنَايَةِ إليها، كرجوعها (٣) إلى الثواب. ويقول القائل: (اللهم ارزقني الآخرة)؛ وهو يريد: ثوابَها.
وقوله تعالى: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ قيل (٤): إنَّه تكريرٌ للتأكيد الذي يُوجِبُ تمكين المعنى في النَّفْسِ؛ لأنه قد قال في الآية الأولى: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾.
وقال محمد بن إسحاق (٥): فيه إشارةٌ إلى أنَّ مَنْ أرادَ بِعَملِهِ الآخرةَ،

= وابن خزيمة في "الصحيح" ١/ ٧٣ رقم (١٤٢، ٢٤٣)، ١/ ٢٣٢ رقم (٤٥٥). وابن حبان في "الصحيح". انظر: "الإحسان" ٢/ ١١٣رقم: (٣٨٨)، (٣٨٩)، و١١/ ٢١٠رقم: (٤٨٦٨)، والبيهقي في "السنن" ١/ ٤١، ٢٩٨، و٢/ ١٤، و٤/ ١١٢، و٥/ ٣٩، و٧/ ٣٤١، والحميدي في مسنده ١/ ١٧ رقم (٢٨)، وأبو داود الطيالسي ١/ ٤١ - ٤٢ (٣٧)، وابن المبارك في "الزهد" ٦٢ رقم (١٨٨)، وهناد بن السري في "الزهد" ٢/ ٢٨٦ رقم (٨٨٣)، والخطيب في "تاريخ بغداد" ٩/ ٣٤٦، ٤/ ٢٤٤. وابن الجارود في: "المنتقى" انظر: "غوث المكدود" ١/ ٦٥ رقم (٦٤).
وقد وردت معظم روايات الحديث بلفظ: (إنما الأعمال بالنِّيَّة)، ووردت بعض الروايات: (الأعمال بالنية)، وفي رواية: (العمل بالنية)، والرواية التي أوردها المؤلف موافِقَةٌ لِما أورده ابن حبان في: "صحيحه"، ولفظه: "الأعمال بالنيات، ولكل امرئٍ ما نَوَى، فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومَنْ كانت هجرتُه لدنيا يصيبُها أو امرأةٍ يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".
(١) أي: الضمير.
(٢) في (ج): (وهو).
(٣) في (ج): (لرجوعهما).
(٤) لم أقف على من قال بهذا القول.
(٥) قوله، في: "تفسير الطبري" ٤/ ١١٥، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٧٩.

صفحة رقم 45
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية