آيات من القرآن الكريم

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ۗ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ

لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ الْمَحْضِ أَنْ يَعْطِفَ بِهَا الْأَوْصَافَ نَحْوَ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً [الصافات: ١، ٢] أَوْ أَسْمَاءَ الْأَمَاكِنِ نَحْوَ قَوْلِهِ:
بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ... فَتُوضِحَ فَالْمِقْرَاةِ... إِلَخْ
وَالِانْقِلَابُ: الرُّجُوعُ إِلَى الْمَكَانِ، يُقَالُ: انْقَلَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْحَالِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، أَيْ حَالِ الْكُفْرِ. وعَلى لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْأَصْلِ يَكُونُ مُسَبَّبًا عَلَى طَرِيقٍ. وَالْأَعْقَابُ جَمْعُ عقب وَهُوَ مؤخّر الرَّجُلِ،
وَفِي الْحَدِيثِ «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النّار»
وَالْمرَاد مِنْهُ جِهَةُ الْأَعْقَابِ أَيِ الْوَرَاءُ.
وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً أَيْ شَيْئًا مِنَ الضُّرِّ، وَلَوْ قَلِيلًا، لِأَنَّ الِارْتِدَادَ عَنِ الدِّينِ إِبْطَالٌ لِمَا فِيهِ صَلَاحُ النَّاسِ، فَالْمُرْتَدُّ يَضُرُّ بِنَفْسِهِ وَبِالنَّاسِ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا، وَلَكِنَّ الشَّاكِرَ الثَّابِتَ عَلَى الْإِيمَانِ يُجَازَى بِالشُّكْرِ لِأَنَّهُ سَعَى فِي صَلَاح نَفسه وَصَلَاح النَّاسِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّلَاحَ وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ الْعِتَابُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنَ الِاضْطِرَابِ، وَالثَّنَاءُ عَلَى الَّذِينَ ثَبَتُوا وَوَعَظُوا النَّاسَ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ وُقُوعِ الِارْتِدَادِ عِنْدَ مَوْتِ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَقَدْ وَقَعَ مَا حَذَّرَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بَعْدَ وَفَاة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا ارْتَدَّ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَظَنُّوا اتِّبَاعَ الرَّسُولِ مَقْصُورًا عَلَى حَيَاتِهِ، ثُمَّ هَدَاهُمُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَالْآيَةُ فِيهَا إِنْبَاءٌ بِالْمُسْتَقْبَلِ.
[١٤٥]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ١٤٥]
وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥)
وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا.
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، وَالْوَاو اعتراضية.
فَإِن كَانَت مِنْ تَتِمَّةِ الْإِنْكَارِ عَلَى هَلَعِهِمْ عِنْدَ ظَنِّ مَوْتِ الرَّسُولِ، فَالْمَقْصُودُ عُمُومُ الْأَنْفُسِ لَا خُصُوصُ نَفْسِ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَتَكُونُ الْآيَةُ لَوْمًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى ذُهُولِهِمْ عَنْ حِفْظِ اللَّهِ رَسُولَهُ مِنْ أَنْ يُسَلَّطَ عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ، وَمِنْ أَنْ

صفحة رقم 113

يُخْتَرَمَ عُمُرُهُ قَبْلَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ. وَفِي قَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [الْمَائِدَة: ٦٧] عَقِبَ قَوْلِهِ: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الْمَائِدَة: ٦٧] الدَّالِّ عَلَى أَنَّ عِصْمَتَهُ مِنَ النَّاسِ لأجل تَبْلِيغ الشّلايعة. فَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ لَهُ الْحَيَاةَ حَتَّى يُبَلِّغَ شَرْعَهُ، وَيُتِمَّ مُرَادَهُ، فَكَيْفَ يَظُنُّونَ قَتْلَهُ بِيَدِ أَعْدَائِهِ، عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ الْإِعْلَانِ بِإِتْمَامِ شَرْعِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [الْمَائِدَة: ٣] الْآيَةَ. بَكَى أَبُو بَكْرٍ وَعَلِمَ أَنَّ أَجَلَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَرُبَ، وَقَالَ: مَا كَمُلَ شَيْءٌ إِلَّا نَقَصَ. فَالْجُمْلَةُ، عَلَى هَذَا، فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ.
وَإِنْ كَانَ هَذَا إِنْكَارًا مُسْتَأْنَفًا عَلَى الَّذِينَ فَزِعُوا عِنْدَ الْهَزِيمَةِ وَخَافُوا الْمَوْتَ، فَالْعُمُومُ فِي النَّفس مَقْصُود أَي مَا كَانَ يَنْبَغِي لَكُمُ الْخَوْفُ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ أَجَلًا.
وَجِيءَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بِصِيغَةِ الْجُحُودِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي انْتِفَاءِ أَنْ يَكُونَ مَوْتٌ قَبْلَ الْأَجَلِ،
فَالْجُمْلَةُ، عَلَى هَذَا، مُعْتَرِضَةٌ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْحَقَائِقِ تُلْقَى فِي الْمَقَامَاتِ الَّتِي يُقْصَدُ فِيهَا مُدَاوَاةُ النُّفُوسِ مِنْ عَاهَاتٍ ذَمِيمَةٍ، وَإِلَّا فَإِنَّ انْتِهَاءَ الْأَجَلِ مَنُوطٌ بِعِلْمِ اللَّهِ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ وَقْتَهُ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لُقْمَان: ٣٤]، وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ حَيَاتِهِ، إِلَّا فِي سَبِيل الله، فتعيّن عَلَيْهِ فِي وَقْتِ الْجِهَادِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْحَقِيقَةِ وَهِيَ أَنَّ الْمَوْتَ بِالْأَجَلِ، وَالْمُرَادُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَقْدِيرُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَوَضْعُهُ الْعَلَامَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى بُلُوغِ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ، وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ مَرَّةً بِ (كُنْ)، وَمَرَّةً بِقَدَرٍ مَقْدُورٍ، وَمَرَّةً بِالْقَلَمِ، وَمَرَّةً بِالْكِتَابِ.
وَالْكِتَابُ فِي قَوْلِهِ: كِتاباً مُؤَجَّلًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمَكْتُوبِ، فَيَكُونُ حَالًا مِنَ الْإِذْنِ، أَوْ مِنَ الْمَوْتِ، كَقَوْلِهِ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ [الرَّعْد: ٣٨] و «مؤجّلا» حَالًا ثَانِيَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كِتاباً مَصْدَرَ كَاتَبَ الْمُسْتَعْمَلِ فِي كُتُبٍ لِلْمُبَالِغَةِ، وَقَوْلُهُ:
مُؤَجَّلًا صِفَةٌ لَهُ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ فِعْلِهِ الْمَحْذُوفِ، وَالتَّقْدِيرُ: كَتَبَ كِتَابًا مُؤَجَّلًا أَيْ مؤقتا.
وَجعله صَاحب «الْكَشَّافُ» مَصْدَرًا مُؤَكَّدًا أَيْ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ وَما كانَ لِنَفْسٍ الْآيَةَ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّهُ مَعَ صِفَتِهِ وَهِيَ

صفحة رقم 114
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية